الخميس، 14 ديسمبر 2017

(متاهة أوزوريس)| لـ (بول سوسمان) الذي لم أسام من امتداحه

ماذا قد أقول؟!
أعتقد أنني استفدت رصيدي من عبارات الإعجاب والدهشة، منذ مراجعتي على أول عمل قرأته لـ (سوسمان)، فلم يتبق سوى نقاط قليلة مختلطة، سأقولها كيفما أتفق، بلا ترتيب:
- بالنسبة لي، يمثل (سوسمان) إنسانًا رائعًا، قبل أن يكون روائيًا.
هذا الرجل يقدم الرواية المثالية كما أتصورها بالضبط، في ظل وفرة من عناصر (التشويق/ سلاسة الأسلوب/ القدرة المستمرة على الإدهاش)، كما يتميز أبطال قصصه، بأنهم بشر من لحم ودم، ليسوا مثاليين على طول الخط، بل يضعفوا أحيانًا، كأي إنسان عادي مثلي ومثلك.
س: ما الذي يحتاجه مؤلف، كي يربط بين كل من: متاهة تنتمي لعصر الفراعنة/ مقتل صحفية في القدس/ تسمم آبار في الصحراء المصرية/ خطف القاصرات، والاتجار بهن في مجال البغاء/ سيطرة الشركات الكبرى متعددة الجنسيات/ فرم طوف ستة أطفال بواسطة ناقلة نهرية في نيل الأقصر/ إلخ.

قدم (سوسمان) لغزًا مشوقًا على امتداد أكثر من 600 صفحة، لتظهر المسارات السابقة كأحداث منفصلة، قبل أن يتضح في النهاية أنها خيوط من نسيج واحد.
أحيانًا، ظننت أن قدرة المؤلف انتهت، فيما يخص تقديم أسرار مفاجئة القارئ، عن ماضي الشخصيات، أو مستقبل نواياهم، وسيكتفي (وهذا ليس عيبًا على الإطلاق) بالتركيز على إثارة أحداث الحاضر.
لحظاتها، أكتشف أن خزانة (سوسمان) تخبئ المزيد، وتدهشني مفاجآت جديدة، (اثنان منها لم أتوقعهما على الإطلاق بخصوص "راشيل").
لا زلت غير مقتنع بالصداقة الحميمة بين شرطي مصري، وآخر إسرائيلي، يمكنني القول، أنني لم أكن لأستنكر ذلك، لو طرحه كاتب مصري/ عربي، لكن.. بالقياس إلى أن المؤلف إنجليزي الجنسية، اختلف الأمر منه وجهة نظري؛ يبذل جهدًا محمودًا، في تقديم رؤية رومانسية، تحاول أن تجنح إلى الوقوف على مسافة وسط، عند التطرق لموضوع الصراع العربي/ الإسرائيلي، وتنحاز قدر الإمكان، لـ (الإنسان) هناك أو هناك.
فتصور الإسرائيلي (بن روي) كصاحب ضمير يقظ، مستاء من الاستيطان والممارسات القمعية الإسرائيلية، ويمتلك صداقات مع عرب 48، سواء مسلمين أو مسيحيين.
على الجانب الآخر، يملك المصري (خليفة) نفس النفور تجاه البيروقراطية والطائفية والفساد في مجتمعه بمصر.
عندما قرأت الرواية الأولى لـ (سوسمان) اندهشت من عرضه لتفاصيل واقعية جدًا، من صميم حياتنا، لكن.. إذا عرف السبب.. بطل العجب.. فبعد بحث بسيط في (جوجل)، عرفت إنه عاش في (مصر)، وعمل كمتدرب في التنقيب عن الآثار.
هذا الرجل (بالإضافة لزميله الفرنسي "جيلبرت سينويه") أعتبره يستحق الجنسية المصرية، نظرًا لما قدمه إلى (مصر) من دعاية وصورة ذهنية، لا نستطيع أن نختلف على مدى صدقها.
مشكلة المؤلف في هذا الصدد، أنه يسرد تفاصيل حقيقية جدًا، على طول الخط، ثم يقع في خطأ فادح فجأة، يمكن القول أنها هفوات طفيفة جديدة، لا تتدعى 5%، على غرار انتماء الضابط المصري (يوسف خليفة)، لأصول فقيرة، وأنه كان يتمني دراسة مجال (آثار)، غير أن الحال انحدر به، إلى احتراف العمل الشرطي.
لعل (سوسمان) قاس المسألة على كيفية الانضمام للشرطة في بلادنا، يشبه بلاده، ولا يعرف أن أبناء البسطاء من شبه المستحيل أن ينضموا بهذه الطريقة، سواء الشرطة/ الجيش/ القضاء.
الخطأ الفج الثاني، هو بعض الأسماء التي يختارها للشخصيات، فأنا شخصيًا لم أقابل من قبل، أحدًا يدعى (سارية) أو -الألعن- بنت يجرؤ أهلها على منادتها بـ (بطاح).
ملحوظة: اتضح أنني ظلمت (سوسمان)، إذ قيل ابنة (خليفة) تدعى (بطة) -دلع فاطمة- لكن المترجم نقلها حرفيًا.
بالمناسبة: قام المترجم بعمل جيد للغاية، فأستطيع غفران هذه الذلة، قياسًا لمجمل مجهوده في العمل ككل.
في الختام، لو أن هناك شيء واحد ضايقني بعد الوصول للصفحة الأخيرة، فهو علمي بأن المؤلف توفاه الله، فلن يكون هناك المزيد من الأعمال الجديدة، نقراها لهذه العقلية الفذة.
على الحانب الآخر، أحسد كل من لم يقرأ له بعد، نظرًا لكل المتعة الواعدة قيد الانتظار، التي قد يتذوقونها إن أحبوا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"