السبت، 4 مارس 2017

قراءة في رواية (أتما)

من الجميل أن تخوض مضمار الكتابة، وتحتل مرتبة متقدمة
الأجمل؛ أن تهندس مضمار/ شخصية مختلفة، لا ينافسك فيها إلا نفسك. 
في الفترة الأخيرة، قرأت كثيرًا من الأعمال التي ينطبق عليها وصف "مختلف"، أغلبها ينحاز للاتجاه الصوفي، ويبدع في إطار "رحلة + مرشد + جائزة"، وأن "خلاص الروح يأتي من التسامح والسلام". 
جاءت تجربة (أتما) على العكس تمامًا، يشق طريق الخلاص عن طريق الإيذاء.. الألم. 
(أتما) هي الروح في العقيدة الهندوسية.
تبدأ الرواية بطبيب يذهب للقاء مريضة نفسية، فتشترط عقب انتهاء كل جلسة، أن توجه له سؤال، على يعود لها بالإجابة في مستهل اللقاء التالي. 
كانت أول علامة استفهام من نصيب الطبيب، هي: هل تملك الإرادة الكافية للانتحار؟
تستمر الأحداث بلغة سلسلة، ترسخ لعالم مقبض، تتصاعد سوداوية منحناه من نقلة مبتكرة إلى أخرى، ختامًا بنهاية "ملعوبة" لو جاز لي القول، تتفق مع هذا البنيان الروائي.
لا أميل أو أقتنع -فكريًا- بمبالغة الروايات الصوفية عن جدوى التصالح مع عالم كالذي نحيا فيه، ولا حتى مع الطرح العنيف المضاد، الذي تبنته (أتما)، إلا أننا لسنا بصدد مناقشة ورقة علمية. 
في الأدب والفن تتغير المقاييس؛ كلما جمح العمل في بناء منطق أو زاوية رؤية خاصة به، كلما خرج المنتج استثنائيًا أكثر، وهو ما توفر -بمجهود واضح- في الرواية التي نحن بصددها. 
مع مراعاة أن بعض الأحداث خانت منطق الرواية نفسه، من وجهة نظر ذائقتي الضيقة: 
(تحذير: الدردشة القادمة مخصصة لمن قرأ الرواية فقط، لما تتضمنه من حرق للأحداث). 
أولًا: هوية المسئول عن تبني حالة البطلة، الذي اتضحت شخصيته في النهاية، ودوره الخفي في التورية على جرائمها، بل والشروع في قتل.. من أجل حماية كنزه العلمي (يمنى). 
لم أجد من المنطقي لمن في مركزه الأكاديمية، أن يتحمس في دراسة حالة، لدرجة مخالفة القانون في جرائم فادحة كتلك، كلنا نملك تطلعات مهنية متحمسة، لكننا نملك حياة شخصية أخرى أرسخ، فنحتاج إلى أسباب أكثر اقناعًا كي نجازف بالثانية من سبيل الأولى. 
جزء كبير من جمال الرواية، تمثل استحواذ حالة يمني على حياة الطبيب المهنية ثم الشخصية، في تطور تصاعدي، الاستحواذ تم سريعًا ربما، لكن التدرج أكسبه واقعية ومنطقية أكثر، بعكس ما حدث في نهاية الرواية، عندما نكتشف أن أكاديمي آخر، تحول إلى ما يشبه زعيم عصابة، بينما الإيحاءات التي تركتها الرواية، جعلتني أظن أن المتستر على (يمنى) أضخم وأوسع إمكانيات بكثير. 
نقطة أخرى: عودة إلى جرائم البطلة، لم أبتلع فكرة أن أنثى يحالفها التوفيق كل مرة، بهذا الشكل،
ضد ضحايا بعضهم رجال بالغين، فتخلف ورائها جرائم كاملة، كل مرة، لا تترك أي خيط.
نقطة أخيرة بخصوص منحنى الرواية، صغيرة نعم، إلا أنها ضايقتني بحق، مبعثها اختلافي مع مفهوم الكاتبة عن تدرج الإيذاء. 
إذ لمست ابتكارًا وتصاعدًا فيه، من البداية إلى النهاية، عدا سلمة مكسورة واحدة، من وجهة نظر قناعاتي الشخصية البحتة، ألا وهي أن البطلة بعدما استعملت مطرقة على أحد أفراد عائلتها، كانت الخطوة التالية في تذوق نشوة الإيذاء، تتمثل في ضحية من الحيوانات.
الأطفال في كل مكان، يخنقون القطط، ويرجمون الكلاب، كنشاط تقليدي رتيب، بالتالي، لم توفق الرواية في استخدام نقطة كتلك وسط بنيان أبدع في استخدام طرق جريئة للإيلام، يفضل على الأقل، لو تم عكس الترتيب فقط، بحيث تم إيلام حيوان أولًا، تليه استهداف بشري بالمطرقة، لربما اكتسب التدرج منطقية أكثر وقتها.
ختامًا، خلال الروايات الأخيرة التي وصلت بي إلى درجة "الإشباع" كقارئ، ظل العامل المشترك بينها تعدد الشخصيات والأماكن، ووجود كم غزير من الأحداث المتشابكة، الجديد في رواية (أتما) أنها ذكرتني بإمكانية قراءة رواية تصل بك إلى درجة عالية "التشبع"،  باستخدام أقل عدد من الشخصيات والأماكن، والاعتماد بالأساس على التفاعلات النفسية داخل الأبطال، أكثر من خارجهم. 
شكرًا د. بسمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"