الثلاثاء، 21 يونيو 2016

ابنة سوسلوف

أول تجربة لى مع أديب من اليمن.
وأسعدنى أن تكون مع كاتب يجبرك على احترام امكانياته فى السرد واللغة، مع تحفظى الكامل على المضمون.
لست سلفيًا، ولست اشتراكيًا كبطل الراوية، ولا مانع لدى فى قراءة روايات لهذا الطرف أو ذاك، بشرط أن يخرج عن الوعظ المباشر ويتحلى بالجودة من الناحية نايحة الصنعة أدبيًا.
تقدم الرواية تأريخ سياسى لليمن منذ الثورة وصعود التيار اليسارى، من خلال طفولة البطل عمران، وعلاقته الصامتة للبطل عمران مع ابنة أحد فيادات الحزب اليسارى.
تحول عمران لاحقًا إلى أحد كوادر الحزب، وتم تخييره بين السفر لفرنسا أو ألمانيا.
فاختار فرنسا، لأنه يحب مشاهدة الغروب على حد تعبيره.. وبالبالتالى يود مشاهدة الغروب الرأسمالى من خلال أحد نماذجه الأنصع، فرنسا.
وكأنما يحبك اتساع هوة المفارقة مع المستقبل، عندما سقطت ألمانيا الشرقية تلتها اليمن الشوعية، وبقيت فرنسا.
يعود البطل إلى صنعاء، لينخرط فى علاقة محرمة مع أحد أكبر داعيات السلفية، ثم يتضح له أنه ليس الوحيد فى حياتها، بل هى خاضعة كالمنوم منغناطيسيًا، أو كجارية لأحد أكبر المرجعيات السلفية، أستاذها، وفى نفس الوقت، والد زوجها!
- الجنس عند السلفيات طقس مقدس، المجد للسلفيات.
- هذه الفتاة التى تخرج من الحافلة بحجابًا يلف حجابًا وحجابًا، لا تتجول فى شقتى إلا عارية.
- المدينة التي تكثر فيها المآذن هي مدينة تمارس البغاء سراً في الزقاق المؤدي إلى المسجد.
عاب الرواية فى رأيى أن الشخصيات وكأنما مرسومة لتدفع دفعًا فى اتجاه فكرى معين، الشيخ السلفى وابنه كلاهما داعية متشدد صباحًا، ومدمنان للويسكى ليلًا.
زوجة الابن فى علاقة محرمة مزدوجة مع الوالد من ناحية، ومع الناشط اليسارى من الناحية الأخرى.
فى الصباح تكون الداعية النسائية التى تقود المسيرات المناصرة للشريعة، ثم فى وقت فراغها تعيش كعاهرة فى فراش شخص لا يخفى عنها أنها ينتمى للمعسكر الفكرى النقيض 180%.
بينما البطل اليسارى، له نقاء قديس، يعيش حزينًا على زوجته التى راحت ضمن أحد الأحداث الإرهابية، ويقبض على جمر التنوير وسط مجتمع رجعى من الجهلاء.
فى رأيى، هذا لا يختلف أنملة عن الروايات الضد التى تصور المنقبات كملائكة ينقصهن جناحين، فى حين أن السافرات سرعان ما يسقطن ويتحولن إلى عاهرات.
الفارق أن الكاتب ها هنا ذكى، ويمتلك أدوات فنية، وهو ما يهمنى عندما أقرأ، سواء كان الكاتب شيوعى أو إسلامى أو بوذى أو خلافه. (طالما لم يتجاوز حدود التحمل عندى، فكونى بشر فى النهاية، هذا يجعل لدى حدود قصوى لتحمل الاستفزاز).
أعتبره ذكاء من الكاتب، استخدام تيمات جذابة مثل الشخصيات الفصامية، ومثلث العلاقات المحرمة، بالإضافة لنموذج البطل الذى يسبح ضد تيار هادر.
اللغة جيدة جدًا، ويجيد صنع عبارات مصقولة جيدًا، بغير تكلف.
كل هذه العناصر شدتنى للاكمال، واتبلاع النقاط المستفزة التى أشرت إليها سابقًا، بغير مجهود.
كما أرى أن سقوط الكاتب فى الخطاب التوجيهى المباشر، كان قليلًا نوعًا، بشكل أفادنى كثيرًا بتصور عن حقبة من تاريخ اليمن، من وجهة نظر أحد تياراتها السياسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"