السبت، 10 فبراير 2018

أغنية × رحلة: (سهار بعد سهار)


الترحال ليس مصدر إلهام للأدب المكتوب فحسب، بل قد يمتد إلى الموسيقى والغناء أيضًا، وهو ما لن ننس –بإذن الله- إفراد زاوية خاصة به، في هذه السلسلة.
أحد أحبها إلى قلبي رحلة موسيقار الأجيال (محمد عبد الوهاب) إلى (بيروت) عام 1961م، التي أثمرت عن أحد التعاونات القليلة، بينه وبين جارة القمر (فيروز).
لم يكن سبب الندرة يرجع إلى المسافة الجغرافية الفاصلة بين (لبنان) و(مصر)، بل إلى الأسوار المحيطة بـ (فيروز) ذاتها، فمنذ بلوغها سن العشرين لم تربط مع (عاصي رحباني) بعلاقة زواج فقط، بل حولها الأخير إلى أيقونة شبه حصرية لمشروع الرحابنة الفني. رغبة منه في كسر القاعدة الشائعة حينذاك حول (ضرورة البدء من مصر، كي تذيع شهرتك عربيًا).
يمكن القول أنهما نجحا في ذلك كأقصى ما يكون، في نفس الوقت.. قدما -من خلال واجهة صوت (فيروز)- طابعًا لبنانيًا ذو خصوصية، يختلف عن مدرسة (التطريب) الذائعة في وادي النيل وقتها.
يقال أن المُلحن المصري (بليغ حمدي) سافر إلى (بيروت)، كي يقترح على (فيروز) عملًا مشتركًا، فتعلل (عاصي) بحجج مختلفة، على غرار أنها مريضة، أو ما شابه. ذكرت الواقعة في مقال بعنوان (فيروز التي ما زالت تغني).
على عكس علاقة الأخوين (رحباني) بالموسيقار (عبد الوهاب) التي تحلت بمساحة أكبر –نسبيًا- من الود والمرونة، سواء على المستوى المهني، أو الزيارات الشخصية المتبادلة، غير أن جنية الإلهام لم تحل سوى في رحلة المصري إليهم عام 1961م.
ما حدث أن الملحن اللبناني الراحل "فليمون وهبي" مر بهم في ساعة متأخرة، فتعجب من وجود (عبد الوهاب)، نظرًا لأن الرجل مشهور في الوسط بأسلوب حياته الصارم، الذي يتضمن النوم باكرًا.
سأل (فليمون):
- شو....بعدكم اسهار؟!
رد (منصور):
- اسهار ... بعد اسهار .
كررت فيروز الكلمات بدندنة خافتة، مما راق للملحن (عبد الوهاب)، فاستفسر من (منصور رحباني) إن كان بإمكانه الإكمال على ذات الكلمات، ليثمر الموقف التلقائي عن أغنية سجلوها في الاستوديو بعدها مباشرة.
ذكرني اللحن بالأغاني المستخدمة في هدهدة الصغار قبل النوم، بينما تتكفل اللهجة الشامية في زيادتها عذوبة فوق عذوبة.
اسهار بعد اسهار
تَ يحرز المشوار
كتار هو زوار
شوي وبيفلّو
وعنّا الحلا كلّو
وعنّا القمر بالدار
ورد وحكي وأشعار
بس اسهار

- المقال منشور على صفحات العدد الأول من سلسلة أدب الرحلات: (لأبعد مدى).
لتحميل وقراءة العدد كاملًا: اضغط (هنا).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"