الخميس، 8 يونيو 2017

ثاني (ضربة قاضية) تلقيتها بالمعنى الحرفي

مع أنني جربت الكثير من الألعاب العنيفة، منذ طفولتي الباكرة.. إلا أنني أخسر -في العادة- بفارق النقاط.. فلم أعرف مذاق ما يسمونه بـ (الضربة القاضية)، وعجزت -تمامًا- عن تخيل ما سأشعر حين أتلقاها؟
ظننت أن تفادي هذه التجربة أمر جيد للغاية، بحكم أن لفظة (القاضية) ترتبط في أذهاننا بـ (الهزيمة المذلة.. النهائية).
حسنُ.. اختلف الأمر عندما تلقيتها بالفعل.. حرفيًا.. لا مجازًا..
حدث ذلك في سن العشرين.. أثناء قضاء فترة التجنيد..
أذكر خلفية الموقف.. بكل تفاصيله..
توجهت وزميلي العتيد (مصطفى علي)، إلى رفاقنا في المطبخ، كي نجلب وجبة الغداء.. فأخبرونا بضرورة الانتظار دقيقتين.. إذ لم ينتهوا من إعدادها بعد..
على اليسار (مصطفى علي)، اليمين (ياسين سعيد)
فقررت و(مصطفى) تمرير هذا الوقت الضائع، على طريقتنا.
ما نوع التسلية الذي قد يخطر لجندي قسم (الأشعة)، ونظيره مسئول (المعمل)، قياسًا للطاقة المفرطة الزائدة التي يشتهرا بالمعاناة منها؟
بالضبط.. قررنا أن نبرح بعضنا ضربًا.
تراجع كلانا خطوة إلى الوراء.. وضع استعداد.. ثم.. ابدأ.
أقوى ما في (مصطفى).. ضربات قدميه.. بحكم أنه لعب (كونفو) -وقتها- بشكل منتظم.
بينما -من ناحيتي- أفضل الاعتماد على القبضتين.. مع ضرورة الاقتراب من الطرف الآخر طوال الوقت، كي لا أترك أمامه مساحة، قد يستعمل فيها ساقيه.
غير أن الحذر لا يمنع القدر.
لا أذكر أنني لمحت (الضربة القاضية) أثناء قدومها.. كل ما يعلق في ذهني عن ذاك المشهد، أنني انشغلت بالاقدام على هجوم أخرق، ففاتني رؤية مشط قدم (مصطفى) وهو يحط على صدغي، بتلك الضربة الفنية المعروفة، وسقطت.
أحاول إيجاد وصف دقيق لمذاق تلك اللحظة؟
لم يكن هناك ألم كما ظننت، أو -بالأحرى- بدأ الأمر بألم خفيف، ثم طنين، قبل أن يتلاشى كل ما سبق، وأغرق في خدر لذيذ.
لدرجة أنني قلت في سري:
-طالما هي ممتعة بهذا الشكل؟ فما سر تلك السمعة السيئة التي تحيط بها؟ ولماذا حرمت نفسي من تلقيها كل تلك السنوات.
- أنا مرهق فحسب، لم أعد أشعر بالجوع، فدعيني أنام -يا أمي- ولا توقظيني على العشاء.
استغرقت ثانية أو اثنين.. غير أنني وددت لو أبق هكذا إلى الأبد، وسط طنين الاسترخاء الذي غمرني، غير أن صوتًا مزعجًا ألح على بالنهوض.
- قف على قدميك يا معتوه، أنت عالق في منتصف مباراة.
فتحت عيناي، لأجدني مستلقيًا على ظهري، في مرمى نظرات عدة عيون، تجمعت فوقي، اشتركت جميعًا في تعبير القلق، الذي أطل منها، (مصطفى)، وبقية زملائي المجندين بـ (المطبخ).
هببت بنشاطي المعهود وكأن شيئًا لم يكن، ثم وقفت في وضع استعداد.. أطلب من (مصطفى) أن نكمل.
- نكمل ماذا يا صديقي؟ لقد أقلقتنا عليك..
أصروا أنني بقيت في إغماءة لعدة ثواني، بينما أثق أن الأمر لم يتعد برهة لا تُذكر.
وقتها فقط، عرفت أهم دلالة تثبت لك أنك تلقيت (ضربة قاضية)؟
ألا وهي: عندما تنهض، ستنكر أنها حدثت.
أكاد أختبر نفس التجربة -بحذافيرها- حاليًا.
فأنكر أن 10 أيام مرت على عزاء والدي؟!
حقًا.. أهي 10 أيام؟؟
الغريب.. أنني أدور في نفس الدائرة:
- لا يوجد أي نوع من الألم، فقط طنين عارم عند تلقى صدمة التذكر الأولى، ثم خدر غريب يكتنف ركبتي وعقلي، يليه نهوض.. وطاقة مفرطة.
-من الذي أوقظني للسحور؟ اتركوني أكمل نومي.. أريد أن أنام.. 
أنام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"