الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

المبعوث

رواية (المبعوث).
لو بدأت بالحديث عن الإجابيات، فنحن أمام رواية شيقة سريعة لا ممل فيها، خلفية (محمد مجدى) كسيناريست واضحة فى إيقاع الرواية، وتقطيع المشاهد، كما أنه أجاد التنقل بين الأحداث فى الماضى والمستقبل، عن طريق استغلال جيد للفلاش باك والفلاش فوورد.
يقول هيمنجواى أنهم فى بداية عمله فى الصحافة، منحوه ورقة استفاد منها لبقية حياته، الورقة كتب فيها (اجعل عبارتك قصيرة، اجعل فقراتك قصيرة، استخدم أسلوب الاثبات لا النفى).
أكثر شئ مميز لدى مجدى بالنسبة لى، هو العبارات القصيرة، ثم العبارات القصيرة، فالعبارات القصيرة.
ولو نظرت للرواية من زاوية محيطنا الضيق، فيحسب له أنها ترفع سقف التابهوهات بتناولها الملائكة فى رواية فانتازية، لم أقرأ شئ كهذا لكاتب منذ أيام (نائب عزرائيل) للسباعى، وقصة قصيرة ولو أضفنا أنها أول رواية للكاتب، فسنقول أنه انطلاقة جريئة لكاتب حريص أن يصنع لنفسة شخصية منذ البداية.
لكن للأسف، أنظر دايمًا إلى أى رواية من المنظور الواسع، فأقول أننى منذ بداية مشهد عن الجان، شعرت بتأثر بأجواء حسن الجندى، وكلما تقدمت فى الرواية، اعترف أن الكاتب صنع خلطة معالجة شيقة سريعة، لكنها ليست بها جديد إطلاقًا، مزيج من أجواء (الفردوس المفقود)، وأواخر دراما (سوبر نايتشر)، وقطعة فى الأواخر من روح فيلم (طفل روزمارى).
كما أن هناك نصيحة فى الكتابة تقول (show me, dont tell me)، لا يجوز لمخرج أن يقدم لنا قصة فيلم من خلال اثنان على مقعد يحكيانها لنا، لابد أن يرينا ما يحكيانه مجسدًا ممثلًا، وإلا ما معنى الفيلم، الكاتب قدم لنا حقب طويلة من الصراع بين ملائكة وشياطين وجان، كلها أخبرنا عنها فى صفحات قليلة، لكنه لم يرنا إلا أقل القليل، عندما جرب أن يرينا فى مشاهدة الفلاش القليلة، كانت من أفضل الأجزاء.
قد أسامح أى كاتب على هذا الخطأ، لكنه لن أفعل كاتب هو فى نفس الوقت، سيناريست ويفترض أنه يعرف ذلك.
نقطة أخرى، آلمنى أنها تصدر من روائى وسيناريست فى الوقت ذاته، هناك صدمات درامية متتالية لموت عدد من الشخصيات، جميعها تكدست وراء بعضها فى ربع الرواية الأخير، يفترض أن ضربة واحدة ستؤلمنا، ضربات متفرقة على فترات، ستحافظ على ألمنا لأطول فترة ممكنة، أما أن نتلقى ضربات متتالية، هذا سيجعلنا نفقد الاحساس بها، كان الأفضل فى رأيى أن تجعل ضربات متفرقة يا صديقى، كانت ستضمن وقع أطول مع القارئ، وظنى أنك فى الجزء الأخير فقدت صبرك، وأردت إنهاء الرواية سريعًا.
وهو ما بدا واضحة فى مشاهد الختام، التى سأعذر الكاتب لو كان لها جزء تال، لكن بشكلها الحالى، أعتقد أنها طبخت على عجل، وكانت غير واضحة بالنسبة لى.
فى رأيى، مشهد الملاك ميخائيل والبطل، هو الأفضل حوارًا وعمقًا فى الرواية كلها، لو كان المقصود نهاية مفتوحة، كان الأفضل الختام به فى ظنى، بدمجه مع مقاطع من الحرب الأخيرة.
التركيبة التى يقدمها (مجدى) ككل، تجعلنى أكرر ما تنبأت له به من قبل، أنه سيحقق نجاح تسويقى رائع، فى فترة قصيرة.
كما أن لديه الأدوات التى تهيئه لو بذل جهدًا كافيًا، لأن يوازى هذا النجاح التسويقى، بثقل أدبى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"