الجمعة، 24 فبراير 2017

من كتاب (نبوءات الخيال العلمي)| السيبورج

تشكك الطاقم الطبي في إمكانية إنقاذ المصاب، خصوصًا مع النظرة الأولى للساقين والذراع الأيمن المبتورين، علاوة على الفراغ الموجود محل عينه اليسرى.
إلا إذا...!
الأمل الوحيد المتبقي، يتمثل في زراعة أطراف آلية، قبل أن يتم دمجها بالأعصاب، فيستطيع المصاب التحكم فيها وكأنها أعضائه الحقيقة.
الأحداث السابقة تنتمي لدراما مسلسل (رجل الستة ملايين دولار The Six Million Dollar Man).
ويعتبر بطلها (ستيف أوستن) أقدم وأشهر (النصف البشر/ نصف الآلة) على الشاشة، ولو مددنا الخط على استقامته سنجد تجليات أحدث، على غرار "دراث فيدر" في (حرب النجوم)، و"بورج" في (ستار تريك)، بالإضافة –طبعًا- إلى الرجل الحديدي "توني ستارك"، أما الأميز بينهم في وجهة نظري، الطفل الذي ولد في نهاية رواية (بذرة الشيطان) للمؤلف (دين كونتز)، ونتج عن إغواء الآلي (بروتوس) للبشرية (سوزان) ربة المنزل الذي يخدمه. احتفظ تجاه هذا العمل بلحظتين تنافستا في مدى قشعريرتهما، الأولى عندما استسلمت المرأة –بعد طول مقاومة- للجسد الحديدي، والثانية عندما أشرف الزوج البشري على عملية توليدها، فخرج ابن الخطيئة في صورة وليد تمتزج فيه الخلايا بالأسلاك، وكانت أول كلمة يقولها، هي:
- أنا حي I'm live .
(السيبورج) ببساطة اختصار لكلمة (Cybernetic Organism)، بما معناه "تدعيم الجسد الحي بمكونات آلية اصطناعية"، ظهرت اللفظة لأول مرة عام 1960م، على لسان الثنائي (مانفريد  كلينس) و(ناثان س. كلاين)، وإن تواجدت ضمنيًا من قبلها بكثير داخل أدبيات الخيال العلمي، ربما منذ أيام (إدجار آلا بو) عام 1839م، وقصته القصيرة (الرجل الذي تم استهلاكه)، فضلًا عن (إدوارد بيج  ميتشيل) وقصة (أقوى رجل في العالم).
كلاهما اقتربا من مفهوم "السيبورج" إلى حد ما، غير أن عام 1911م شهد قفزة كبيرة في التصور الأدبي للفكرة، حيث أضاف الفرنسي (جين دا لا هير) سلسلته (الأعشى).
"العشى"؛ يعني ضعف البصر ليلًا، وهو اللقب الذي ارتبط ببطل السلسلة (ليو سانت كلير)، صاحب القلب الاصطناعي، والجسد البشري/ الميكانيكي، مما يجعله -بالمعنى العصري- أول "سيبورج" حقيقي يجد طريقه إلى صفحات الأدب.
ربما مررتم بشكل عابر على لفظة (القلب الاصطناعي)، لكن لنركز أن القصة صدرت عام 1991م، أي قبل عقود طويلة من أول إجراء أول عملية زرع قلب سنة 1967م.
أما عام 1928م، تألق (إدموند هاملتون) في روايته الكلاسيكية (مذنب الموت)، حيث اقترح شكلًا مختلفًا للسيبورج، بزرع عقل بشري داخل روبوت هذه المرة، وبدا الشكل الجديد أكثر مناسبة لمواجهة الأخطار خارج- الأرضية.
استمر دور رواد الفضاء السيبورج في (باحثون يحيون عبثًا) عام 1950م، لـ (كوردواينر سميث)، وهم بدورهم ازداد دورهم وضوحًا حتى وصلنا لأعمال في (اللمعان الفائق) عام 1983م لـ (فوندا ماك أنتري).
يوجد عملان آخران هما (الرجل الأتوماتيكي) و(القلب الأوتوماتيكي) الأولي لـ (إيف أوديل) عام 1923م، والثانية لـ (إنش باريت) عام 1931م، وضح كلاهما تطور نظرة الخيال العلمي للسيبورجية الطبية تحديدًا.
حتى رواد العصر الذهبي للخيال العلمي، وضعوا لمستهم على الثيمة، أمثال سير (آرثر سي كلارك) في (اجتماع مع ميدوزا) عام 1971م، بالإضافة لعملين أخرين عام 1976م (إنسان أكبر) لـ (فريدريك بول)، و(أثواب فائقة) لـ (برانجتون بايلي).
بشكل عام، ساد اتفاق غير مكتوب بين مؤلفي الخيال العلمي، حول اقتناعهم بقصور البشر عن خوض معاركهم المستقبلية، ورجحوا بأن من سيقوم بهذا الدور هم الآليين أو –على أقل تقدير- أنصاف الآليين (السيبورج)، وانتشرت نموذج الجندي السيبورج في أعمال بعنوان (لمبو) عام 1952م، (حزمة آي سي آ) 1961م، (الموت الذي يموت) 1962م.
                                      ************
على أرض الواقع، سابق العلماء الزمن خلال السبعينيات، فجربوا زرع أقطاب لتنشيط أجزاء معينة من المخ (كمراكز الإبصار والحركة)، وحققت هذه التقنية نجاحات محدودة مع حالات كضعف البصر، أو الشلل.
هناك اسم آخر لا يمكن إغفاله في هذا الصدد، هو الباحث (كيفن وارويك) المعروف بـ "كابتن سيبورج"، وهناك أسباب وجيهة –بالطبع- لخلعهم هذا اللقب عليه، ليس أقلها تجاربه الباكرة منذ عام 1998م، عندما زرع شريحة إلكترونية تحت الجلد، لتربطه بحاسب المعمل، فأمكنه التحكم بعد في إضاءة المكان، فتح الأبواب، إلخ.
يعدنا هذا الإنجاز بتحكم فائق في الآلات، إذ لن تحتاج لإصدار أوامر صوتية أو النقر على أزرار، لنتصور فائدة تقنية كتلك للمعاقين مثلًا؟
بل ويمكن البناء على الفكرة، بجعل عقولنا تتصل بالانترنت مباشرة، أو اتخاذ الحاسب وسيطًا للتراسل ذهنيًا فيما بيننا، أي سنحقق أخيرًا حلم "التخاطر" الذي طالما وعد به الخيال العلمي.
أما عن أول "سيبورج حقيقي"، فيشتهر بهذا اللقب –عالميًا- (إيل هاربسون).
ولد (إيل) بمشاكل مزمنة في الإبصار، مما اضطره عام 2004م إلى إجراء جراحة فريدة من نوعها، حيث زرع له الأطباء جهاز إرسال، ليصير –أيضًا- أول من يمتلك هوائي (إريال) متصل بجمجته، نقصد المعني الحرفي بالطبع، وليس (ذو إريال) بالمعنى الدارج، هذا الهوائي يترجم له كافة المعلومات إلى ذبذبات صوتية، فبوسع (إيل) الآن، استيعاب الصور والألوان المحيطة، استقبال المكالمات الهاتفية داخل عقله مباشرة، بالإضافة إلى خدمة (واي فاي) تصله بالانترنت والأقمار الصناعة.
من المواقف الطريفة التي لحقت بـ (إيل)، أنهم رفضوا تجديد جواز سفره عام 2004م، بسبب المظهر الخارجي كالعادة، واستندوا إلى تشديد اللوائح على تقديم صور شخصية بدون أجهزة إلكترونية، فاحتج (إيل) محاولًا إقناعهم أن ذاك الهوائي جزء من جسده.
فهل اقتصرت تقنية السيبورج على البشر فحسب؟
في عام 2006، لم تسلم الحشرات من زحف الآلة، حيث تمكنت جامعة (كورنيل) من زرع هياكل اصطناعية في بعضها.
ولأول مرة عالميًا عام 2011م، أعلنت شركة "RoboRoach" رسميًا عن طرح صراصير سيبورجية للبيع، من التي يمكن للمستهلك توجيهها عن بعد.
لم يرق الأمر لمناصري الطبيعة والرفق بالحيوان.. إلخ، فأبدوا اعتراضهم حول مدى أخلاقية هذه التقنيات، لكن يظل هناك –دومًا- من لا يكترث بكل ذلك، كالعسكريين مثلًا.
منذ زمن طويل، أثارت تلك الأفكار شهية الـ (DARPA) بالولايات المتحدة، اختصار لـ (وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة) التابعة للجيش.
فأجروا تجارب مشابهة على بعض أنواع الخنافس، متوقعين منها ذات يوم أن تغدو جاسوسًا واعدًا، فمن قد يلاحظ أو يشك في حشرة بريئة.. نصف رقمية؟
بمرور الوقت، مد الـ (DARPA) مظلة تجاربهم إلى كائنات أعقد، إذ تمتلك أسماك القرش مثلًا قدرات فائقة على الرؤية بالموجات فوق الصوتية، وعند زرع أقطاب للتحكم فيها عن بعد، سيصير لدينا مجند بحري ذو سونار فائق، يمكنه الكشف عن سفن العدو، أو تنفيذ عمليات تفجيرية انتحارية عند الطلب.
أخيرًا، لا أجد ما أختم به أكثر من رؤية  (دونا هاراواي) في (إعلان مبادئ الكائن السيبرنطيقي)، إذ تنذر من إقبالنا على عصر الكائنات السيبورجية، والذي سنعجر فيه عن التمييز بوضوح عن الفرق بين المصطنع والطبيعي، ويتراوح هذا الكائن بين الإنسان الذي استبدل بأي عضو من جسمه عضو صناعي آخر، وبين الإنسان الآلي المكسو بطبقة رقيقة من الجلد.
أو على حد تعبيرها: "فآلاتنا... أصبحت تتميز بالحيوية الفائقة بدرجة مقلقة، أما نحن فأصابنا الكسل والخمول بطريقة مخيفة".
                                     ************
منذ مهد تاريخ السينما، تمكنت شخصيات آلية من اقتناص أدوار البطولة، فسجلوا حضورًا مبكرًا منذ عام 1927م؛ بالفيلم الألماني الصامت (متروبوليس)، وما طرحه من تصور مبكر جدًا للروبوت الشبيهة بالانسان.

استمرت الرؤى السابقة لعصرها بفيلم (ماس كهربائي Short Circuit) عام 1986م، الذي تنبأ بظهور الآليين العسكريين.
نستطيع القول؛ أن السينما تناولت -على مدار تاريخها- كل الأنماط المتنوعة من الآليين؛ كأولئك الطفوليين الأبرياء؛ بدئًا من (رجل القصدير) في (ساحرة أوز)، الذي تمنى امتلاك "قلب"، كي يشعر ويحب، وانتهاء بـ (Wall- E)، آخر من بقى على الأرض، بعد أن هجرها البشر، فآل على نفسه مهمة تنظيفها وإعمارها مجددًا.
وهناك كذلك النموذج الإنساني كأبطال فيلم (.A. I)، وهذا ليس بغريب على أداء ممثل مثل (جود لو)، وقيادة إخراجية من أيقونة كـ (ستيفن سيلبرج).
تصاعد الحس الإنساني أكثر في فيلم كـ (Her)، لنرى رجل وحيد يرتبط عاطفيًا بالصوت الأنثوي الدافئ لحاسبه، وتتطور الحبكة لنجد أنفسنا إزاء قصة حب بين إنسان وكمبيوتر.
لدينا أيضًا ضمن كتيبة الشخصيات الطيبة؛ (سونى) بفيلم (I Robot)، نفس العمل الذي تحدثنا عنه قبلًا، تميز (سونى) بامتلاك مشاعر وأحلام.. وأخلاق كذلك.. فظل مخلصًا لوصية صانعه، ومن ثم عاون البطل (ول سميث) في القضاء على (فيكي).
استمرارًا للشخصيات الطيبة يوجد (أوبتيموس) في سلسلة "المتحولون"، الآلي المتضامن مع البشر، ضد رغبة زملاءه السابقين في إبادتنا.
أما عن الشخصيات الحقيرة، فقد لا يوجد استفزازًا من (هال)، الحاسوب الأم لمركبة (ديسكفري) في (أوديسا الفضاء).
وعن المتأرجحين بين الشر والخير، فمنهم (آش) من فيلم (الفضائي Alien).. ذاك الذي حاروا إزاءه هل هو برئ، أم مجرم، فكانت الصدمة حين اتضح للجميع -في النهاية-  أن زميلهم ليس بشرًا من الأساس.. بل آلي.
فيلم آخر مثل “Stealth” يحكي عن طائرة عسكرية بدون طيار، بدأ عقلها الإلكتروني في التمرد، ومخالفة ما لا يروق له من أوامر.
يضاف إلى القائمة أشهر صورة للآلي علقت في أذهان الناس قاطبة، ومن يكون غير عمدة كالفورنيا (أرنولد شوازنجر).
بمجرد ذكر الاسم، قد تقفز عبارات شهيرة إلى الأذهان مباشرة، على غرار:
- I'm back.
تقفز أحداث القصة إلى المستقبل عام 2029م، حيث الثنائية المعروفة؛ "غزو" في مقابل "مقاومة".
الطرف الأول تمثله الآلة، بعد إبادتها الناجحة للحضارة الأرضية.. تقريبًا.
نقول "تقريبًا" بسبب وجود طرف باسل آخر وأخير، يقوده (جون كونور).
فما كان من الآليين إلا أن أرسلوا واحدًا منهم إلى الماضي، بعد أن رأوا فيه حلًا مثاليًا للقضاء على خصمهم المراوغ.
سيلتقي الآلي المدمر والدة (كونر) قبل زواجها، وبقتلها لن يعد لزعيم المقاومة وجود في الحاضر.
                                     
                                     **********

لتحميل كتاب (نبوءات الخيال العلمي) كاملًا.. من (هنا). 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"