السبت، 25 فبراير 2017

من كتاب (نبوءات الخيال العلمي)| نقل الأعضاء

ارتابت  د.(سوزان) في كم الحالات المتوفاة الأخيرة، خصوصًا أن جميعهم مر بنفس التسلسل، في البداية؛ خروج من غرفة العمليات، ثم السقوط في غيبوبة عميقة.
بعد تحقيق مثير، اكتشفت أن هناك من عبث بخطوط التخدير، ويضخ فيها أول أكسيد الكربون بدلًا من الأكسجين.
في نهاية الرواية، أزاحت (سوزان) اللثام عن الوجه الآخر لمشفاها، لقد دخلت القبو السري، واصطدمت بالمشهد الذي شدنا جميعًا، عندما تحول العمل إلى فيلم:
- أجساد المرضى معلقة في السقف، ويتم استعمالها كقطع غيار لمافيا تجارة الأعضاء.
بهذه الرؤية، استبق الكاتب (روبن كوك) عصره، عندما تطرق مبكرًا عام 1977م إلى نقل الأعضاء غير الشرعي، وقدمها ضمن روايته (الغيبوبة).
في العام التالي، وضع  (مايكل كرايتون) عينه على العمل، لينقله إلى شاشة السينما مباشرة.
على الجانب الآخر، استدعى (لاري نيفين) لفظة (Organlegging) ضمن مجموعته القصصية )الذراع الطويلة لجيل هاملتون) عام 1976م، في بداية إحدى حكاياتها، كان على البطل (هاملتون) أن يخوض 10 أعوام من التدريب، يتنقل خلالهن على سفن فضائية مختلفة، في نهايتهم –فقط- يمكنه الحصول على رخصة ترحال فضائي منفرد.
في حادث مؤسف، فقد الرجل الواعد ذراعه، لكن مع الفقد قد تولد القوة، هذا ما حدث بالضبط عندما تسبب البتر في إيقاظ قوى كامنة لدى (هامليتون)؛ أبرزها "التحريك عن بعد".
عاد بطلنا إلى الأرض أخيرًا، وقام باستبدال ذراعه البارسيكولجية، وزرع مكانها أخرى حقيقية باهظة الثمن. يفترض أن الأعضاء المتاحة مصدرها المحكوم عليهم بالإعدام، لكن الذراع الجديدة لم تكن تنتمي لمجرم مُدان كما ظن (هاميلتون)، بل لمواطن برئ، فكان الصدام حتميًا بينه وبين مافيا تجارة الأعضاء، التي تتوغل في كل مكان حوله.
عام 1964 م، قرر (فريدريك بول) عدم البقاء صامتًا، اللافت بالنسبة إلىّ في (بول)، أنه نموذج للكاتب الجماعي، إذ أن الكثير من إرثه الأدبي؛ يتمثل في روايات تشارك كتابتها مع آخرون، أشهرهن؛ (النظرية الأخيرة) مع (آرثر كلارك)، بالإضافة إلى عمل آخر ذو صلة بموضوعنا يدعى (The Reefs of Space)، جمعه بـ (جاك ويليامسون) مؤلف (جزيرة التنين) الذي تحدثنا عنه، تذهب روايتهما هذه المرة إلى ما هو أبعد من مدار (بلوتو)، حيث كل شيء يخضع تحت سيطرة الكمبيوتر (الرجل الكمبيوتر)، وتحته تسلسل هرمي نخبوي، يلعب فيه بنك الأعضاء دورًا كبيرًا.
أما عام 1984م، طرح (ويليام جيبسون) سؤالًا طريفًا: شركة (نيكون) اقتحمت جميع مجالات البصريات، وأنتجت أحدث الكاميرات، فماذا عن العيون البشرية؟
لم لا، يمكن اعتبارها خط إنتاج مربح أيضًا!

************
منذ فجر الحضارة، سجل التاريخ اجتهادات باكرة في مجال زرع الأعضاء، الفراعنة على سبيل المثال، كانوا الأسبق كالعادة، فينسب إليهم إجراء أول عمليات زرع أسنان.
تواترت بعد ذلك عمليات مماثلة مشكوك في صحتها، ربما أكثرها منطقية حدث في القرن الثاني الميلادي، تحديدًا ما ذُكر عن الجراح الهندي (سوشروتا)، ومحاولاته -غير موثقة النتائج- لإجراء عملية ترقيع ذاتي للجلد، سار الجراح الإيطالي (جاسبارو تاجلياكوزي) على الدرب، بعده قرون.
عام 1905م تمكن (إدوارد زيرم) من زراعة  قرنية عين بشرية، تلاها نفس إنجاز في ساحة الشرايين أو الأوردة، على يد الفرنسيان (تشارلز جوثري) و(أليكسيس كاريل).
أكمل الثاني المسير، لتمتد طموحاته إلى محاولة نقل كلى وطحال، خطوة طموحة بالطبع، اصطدمت برفض الأجساد للعضو الجديد المزروع، إلا أن القدر استجاب أخيرًا على نحو محدود، مما قاده اجتهاده لنيل (نوبل) في الطب عام 1912م.
ثم اندلعت شرارة الحربين العالميتين.
الحروب عمومًا- أمر قبيح.
لا أحد يختلف على ذلك، لكن.. دعونا نذكر أحد جوانبها الإيجابية الخافتة، نعم.. أتجرأ على القول: أنهما تسببتا في بصيص نور، فقد ضغطا على أعصاب العلماء والباحثين، مما دفعهم إلى سباق الزمن في المجالات العلمية والطبية، ومنها زراعة الأعضاء.
يكفى ذكر إنجازات (هارولد جيليز) في زراعة الجلد، خلال الحرب العالمية الأولى.
عندما طويت صفحة الحرب، تطور فهم الأطباء لسبب إخفاقاتهم الكثيرة، قيل أن السبب هو تعامل مناعتنا مع العضو الجديد على أنه دخيل، ومن ثم تقوم بمهاجمته، وهكذا استحدث العلماء أدوية لتثبيط المناعة جزئيًا.
وبناء عليه؛ جاء العام الذهبي 1967م، الذي حوى إنجازين مهمين؛ استهله الأمريكي (توماس ستارزل) بأول عملية زراعة كبد ناجحة.
على الطرف الآخر من المحيط، في ديسمبر من نفس العام، أصر الجنوب أفريقي (كريستيان برنارد) على أن يسطر مجده الخاص، فأجرى أول عملية زرع قلب ناجحة في التاريخ.
وعن آخر مستجدات الطب الحديث، نبشركم بثورة جديدة اسمها؛ (الخلايا الجذعية)، والبعض ممن يهوون التحذلق يفضل تسميتها (الخلايا الجذرية).
تعلمون أن أجسادنا تحوى أنسجة وخلايا متخصصة، يختلف شكلها باختلاف وظيفتها؛ كخلايا العين، القلب، الأعصاب، العضلات، العظام، إلخ، في حين تتواجد أخرى عديمة التخصص بشكل متواري في بعض المناطق، سواء نخاع العظام، الخلايا الدهنية، الدم، الأجنة المجهضة، السائل الأمينوسي والمشيمة حولها، إلخ.
نستطيع وصفهم، بأنهم؛ كطلبة الثانوية العامة، قابلين للتخصص في أي مهنة أو مجال، مما جعل الأطباء يرون فيهم الخلاص لمشاكل زرع الأعضاء قاطبة، إذ لا مجال هاهنا لأزمة رفض المناعة، حيث تم استنبات العضو الجديد من نفس الجسد بالفعل.
وهو ما أثبته (باولو ماتشياريني) بالفعل عام 2008م، عندما زرع أول قصبة هوائية لإنسان باستخدام الخلايا الجذعية.
تبعه فريق فرنسي بقيادة (فيليب موناشيه)، واستخدموها في علاج مريضة مصابة بقصور في وظائف القلب.
على الجانب الآخر، ننوه أن هذه التقنية أثارت جُملة من التوجسات، فقد تفتح الباب أمام توليد أجنة، بغرض استعمالهم... كقطع غيار.

************

 لتحميل كتاب (نبوءات الخيال العلمي) كاملًا.. من (هنا). 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"