الثلاثاء، 14 فبراير 2017

رحلة في رواية (شيطان الدراويش)


دردشة حول أول ما أنهيته، من حصيلة معرض الكتاب 2017م.


تحليق في رحاب صوفية عن رحلة الشاب الصعيدي سراج، إلى حقب تاريخية مختلفة، على خلفية من الفانتازيا الروحانية لو جايز لي التعبير.
توجد عديد من النقاط تحتشد في ذهني، سأحاول التعبير عنها بلا ترتيب:
-في العادة، عندما أقرأ أي شرح تاريخي ضمن سياق رواية، فأتحفز على الفور لاعتباره خيانة للسرد القصصى، بتحويله إلى محاضرة، للغرابة، لم يحدث هذا مع أي شرح لخلفية تاريخية تخللت حوار الرواية، بالعكس، تقبلته جدًا جزء جدًا من سياق الأحداث.
-مندهش من قدرة الكاتب على الإلمام بكل تلك المعلومات، وأكاد أتخيل المجهود الجم الذي بذله.
-أكثر من مرة في منتصف القصة، يهيئ لي أن مشهد ما محشور على الأحداث، ثم يتضح لي أن هذا غير صحيح، وأنه ذو غرض أو إيحاء هام في بنيان العمل.. (مثال: الثلاث نساء وراء الزجاج)
-الحوار ذكي، به كثير من الردود الملعوبة.
-لا أرتاح للتصوف لله في لله، لكن ما قرأته مؤخرًا من روايات تدور في إطاره أثبتت إمكانية تناول الهيكل الواحد، بأكثر من زاوية مبتكرة، فمن الإجحاف أن تدعى أن هناك أدنى تشابه بين روح (شيطان الدراويش) لعصام، و(درب الأربعين) لشيحة، و(ترنيمة سلام) لعبد المجيد، الأطار العام واحد (رحلة ارتقاء روحي + مرشد +جائزة)، لكنها النظرية العتيدة عن إمكانية تناول نفس الثيمة بزوايا مختلفة بالغة التباين في الروح والمذاق.
بالطبع، لا أعتقد ولو لذرة في ذلك المفهوم عن القطب الغوث، ومحور العالم، إلخ.. في نفس الوقت، لا يمنعني ذلك من الاستمتاع بالعالم، مثله مثل أي قواعد خيالية لعالم فانتازي.
-في أول صفحات الرواية، اهتم الكاتب باستخدام ألفاظ ثقيلة، سببت ما يشبه وخزات منعت لاستمتاعي بالأجواء، ولحسن الحظ أنها تراجعت تدريجيًا حتى اختفت تقريبًا في المراحل المتقدمة.
اللافت للنظر أن الجزء الأول تناول الصعيد في عصرنا الحاضر، الذي يفترض أن يتم التعبير عنه بشكل أكثر معاصرة في لغة السرد، في حين أن البقية تدور أغلبها في عصور سحيقة، ولو وردت المفردات الجذلة خلال الأخيرة، لاعتبرتها ذات مبرر، مع أنني كنت لأظل منزعج أيضًا، فما بالك أن ما حدث هو العكس.
-على خلفية الحديث عن مسجد قبة الصخرة، يقول الدرويش صاحب العلم اللادني، أنها بنيت بغرض سياسي، ويضيف أنه "لا صخور شريفة في هذا العالم"، مع أنه توجد واحدة سوداء في مكة، ورد فيها العديد من الأحاديث الشريفة، هذه واحدة من عبارات تنتمي لذات النوع، حشرت في حلقي أثناء القراءة، مهما استمت في استحضار حسن النية، تتعمد أي أجواء صوفية في منحك عبارات مزلزل للبديهيات، وكأنها اثبات ضروري لهويته كأحد الخاصة، وله فهم أعمق من عوام الناس أمثالنا.
ولا أتحدث هنا عن المؤلف أو الرواية تحديدًا، بل أعتبره قام بعكس حالة موجودة بالفعل، وعرض الردود البديهية للطرف الآخر، على لسان الشاب (ٍسراج).
-في طفولتي البعيدة، سمعت عن قاعدة في أحد الرياضات الاستعراضية، تنص -في حالة ذاكرتي جيدة- أن اللاعب لا يحصل على الدرجة كاملة، إلا إذا انتهى بالعودة إلى نفس النقطة التي بدأ منها، استرجعت تلك الجزئية عندما بلغت نهاية الرواية. نجح الكاتب في ثني مسار الأحداث، لتعيدك النهاية برشاقة إلى " لحظة كشف" عن سر البداية، من أقوى المفاجئات الرائعة التي يمكن إنهاء رواية كتلك بها.
-(شيطان الدراويش)!
أرى أن العنوان غير معبر عن العمل، لأن الشيطان لم يكن طرف ذي بال في الرحلة، والمعركة الحقيقة كانت مع "ألمعرفة" بالدرجة الأولى.
-راقني جدًا انتصار نهاية الرواية لشكل الحياة العادية، وأن ذروة روحانية العالم –حسب مفهوم الرواية- كانت مختبئة خلف مظهر عادي، مثلي.. ومثلك.. ومثل جارك في الشارع..
-انتقلت الرواية بين مشاهد بصرية طازجة لرحلة (سراج)، نعم.. "طازجة" هو التعبير الصحيح.. أستطيع التأكيد أنني استمتعت بهذه الجزئية جدًا، وبقدر استمتاعي، فقدر ما أحبطني العودة من الرحلة الفانتازيا، على ما حدث بين سراج وأخوته وأبيه، تخيل أن تقضى الوقت مع مشاهدة تزيد عن الساعة لمسلسل (صراع العروش) ثم تحول القناة لتجد نفسك بصحبة عشر دقائق من فيلم عربي قديم، من حسن الحظ أن النهاية الأخيرة قوية جدًا، لدرجة غطت على تهاوي الإيقاع الطازج في ذاك الجزء، الذي سبق لحظة الختام البراقة.
-عندما أغلقت الكتاب تخيلت لنفسي –للحظة- مكان المؤلف، بحيث تسائلت:
* ماذا يجب عليّ أن أشعر، لو كتبت رواية بهذه التركيبة؟
رغم كل بعض التفاصيل السلبية السابقة، أؤكد لك أن إجابة مجملة واحدة سيطرت على عقلي:
- بالتأكيد لكنت فخورًا.
نعم، من حقك أن تكون كذلك عن استحقاق، يا زميل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"