الاثنين، 11 يوليو 2016

أسباب كافية لتحميض الحياة يدويًا

تعجبت من أن أغلب زملاء القسم ينفرون من غرفة التحميض اليدوى، ويفضلون الألى الجديد الموجود بالطرف الآخر من المستشفى.
وبمحاولة الاستفسار عن المشكلة، قالوا أنهم هم من يجب أن يدهشوا من أننى أحب الأول.واختصروا مشكلاته فى ثلاث بالعد الأصابع:
- المساحة ضيقة.
- الرائحة خانقة، وسط حاويات الأحماض نفاذة.
- ارتداء قفازات سيضايقك، وخلعها سيجعل أطراف يدك تتلوث بالأحماض، البعض منا بشرته لا تحتمل، وأصابه مشاكل جلدية بسببها.
ابتسمت لأن كل ما يعتبرونهه عيوبًا، هو بالنسبة لى مميزات:
أولًا:
- وزني 58 كجم، وهذا فرض علىّ النفور من أى فراغات كبيرة حولى، فأكره ارتداء جلابيب واسعة، والتحرك في براح أكبر مما ينبغى، فى المقابل، أتعلق بكل ما هو محدود، هذه طريقتى الوحيدة لأشعر أننى لست نحيلًا، بل "طبيعي" و"مناسب".
ثانيًا:
- أما عن الجو الخانق، فليس برد أقل من الصيف هو فصلى المفضل، ومروحة القسم فى وجودى لا تزيد فى العادة عن 3.
ثالثًا:
- الرائحة؟ كم هو مضحك أننى لا أشعر بهذه النقطة إطلاقًا، فحاسة الشم لدى معطوبة تقريبًا، وكى أنجح فى التقاط رائحة ما، لابد أن دس مصدرها على بعد سنتمترات من أنفى.
بعيدًا عن الأحماض، سأتحدث عن الأشعة عمومًا.
- يختلف البشر فى اللون بسبب عامل أساسى وحيد هو صيغ الميلانين، زيادته فى البشرة تجعلك أسمر، وقلته تجعلك أبيض.
إبان الدراسة، عندما شرح لنا الدكتور تأثيرات الأشعاع على البشرة قال أن شخصًا مثل ذاك الأسمر  فى الدرج هناك، هو الأكثر أمانًا بهذه المهنة، لأن الميلانين يشكل درع طبيعى يقى من الإشعاع، الإشعاع أيًا كان نوعه؛ الأشعة السينية.. جاما.. وحتى الشمس.
ابتسمت وقتها لأن كان يعنينى بـ "الأسمر هناك".
من وقتها، يتعجب العاملين أو المرضى من أنني أبتسم -أحيانًا- بلا سبب واضح كلما خرجت من الغرفة.
بسببها، صرت أقضى وقتًا طويلًا فى إعادة النظر بكل شئ.
- لماذا أنا هنا؟ 
- لأننى إنسان تمت هندسته جسديًا ونفسيًا ليكون -تحديدًا- هنا.
وجدت أن هذا ينطبق على 90% فيما أفعله، كل ما داخلى وحولى كان يدفع فى اتجاه الشغف بالخيال العلمى/ الميل الغريزى -منذ الطفولة- للعب فى مركز "الدفاع" بأى رياضة ألعبها/ و"الهجوم" فى أى شئ أكتبه/ العجز عن رفض أى طلب لفتاة ترتدى نظارة طبية/ الاتكاء طويلًا على مرفقى الأيمن بعد كل فشل جديد، وكأنما أغرسنى فى الأرض، كى أنبت من جديد.
هناك فيلم 24×30 سم على عظام قدم مريض ينتظر النتيجة الخارج، وظلام دامس إلا من المصباح الأحمر الخافت، بالإضافة إلى أحماض طارجة تم إعدادها حديثًا، صحيح أننى اكتشفت أن سمرتى لا تقى من الاحباطات المتواصلة، لكن يكفى أننى فى مكانى المناسب بالميللى، أفعل ما تم تصميمى لفعله، أى أن شئ فى الحياة يمكن أن يكون أجمل من ذلك!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"