السبت، 7 يناير 2017

جولة منهكة في (وادي الرماد)

على مدار عامين، قرأت (عطارد) لمحمد ربيع، و(عالم أفضل) لشريف ثابت، وهاهي ذي (وادي الرماد) لأحمد صلاح سابق.
رغم خصوصية أجواء كل رواية على حدة، اشتركوا جميعًا في الانطلاق من فكرة ثورة شعبية، أو ثورة مضادة، من محصلتهما يتحول مستقبل البلاد أشبه دستوبيا شنيعة. 
واضح أن الغد ملئ بالانتهاك/ الدم/ الأشلاء/ إلخ، وواضح أن هناك إجماع بينهم على ذلك.
مثل هذه الأعمال ليست من النوع الذي تنساه بمجرد الوصول لكلمة (تمت)، بل تسبب أزيزًا متواصلًا داخل روحك لفترة.
المشكلة أنني أنهيتها قبل موعد نومي، فصحبتني طنينها إلى ظلام ما تحت التفافي بالغطاء، وهو ما جعلني أكرر:
- الله يجازيك يا أبو سابق!
أول ما لفت نظري في الرواية خارجيًا، حجمها الذي ناهز الـ 450 صفحة.
داخليًا؛ بناءه لعالم خيالي كامل، قائم على فرضية غزو الولايات المتحدة لمصر، في مقابل انفراد الحركات المتطرفة بدور المقاومة، وما بين جرائم لأولئك وهؤلاء، انكمش عدد سكان مصر إلى العشر، ليعيش بقيتهم في فوضى/ فقر/ مرض/ تشوه.
أحترم جدًا مجهود الكاتب الذي يبنى "عالمًا" من فوق الصفر، كما يُحسب له -أيضًا- أسلوبه المحترف في الجمع ما بين الاهتمام السينمائي بوصف الصورة + التمهيد السردي الجيد للشخصيات، تلك الشخصيات التي قدمتها الرواية بكل موضوعية، فلم تحكم على أحدهم، بل التزمت  النقل المتجرد لوجهة نظر الكل؛ الحكوميين المتواطئين من مصر،  مجرمي الحرب من الأمريكيين، الجماعات المتطرفة.
راعى الكاتب أن تتغير ألفاظ السرد (وليس الحوار فقط)، بتغير الشخصية، فصرنا نقرأ ألفاظ من الثقافة الإسلامية عندما ينتقل الميكرفون إلى (يحيى) الجهادي، بينما اللغة دارجة ومتداولة عند كهل المخابرات (حسام) مثلًا.
أقول أنه فعل قدر الإمكان، وإن عاب المسألة أحيانًا، أن المصريين داخل الرواية تحدثوا العامية أحيانًا، والفصحى في أحيان أخرى.
450 صفحة، تناولت أيام معدودة، تنقلت فيهم كاميرا الأحداث ما بين الولايات المتحدة، ومصر، فلم أشعر بملل يذكر، وكأننا بصدد استعراض للاعب مهاري، يتألق في المساحات محدودة زمنيًا.
تميز العمل عن غيره من دراما الحرب، بأن إثارته -بالنسبة لي- تمثلت كأكثر ما يكون في الألاعيب العقلية الحوارية، في البداية ما بين العجوز المخابراتي المصري (حسام)، ومستشارة الأمن القومي الأمريكي (إلينا)، ثم استجواب (حسام) للجهادي (يحيى)، حتى مشهد الاقتحام المرتقب، جذب الأنظار قبله، ما دار بين (عمار) والشيخ (أبو زكريا).
أعتقد أنني أكاد ألهث بمجرد أن تذكرت تلك النقلات، وسأظل أتذكرها كجزء من عمل قيم واحترافي. 
الحوار الأخير -فقط- بين (حسام) و(عمر)، بدا لي مناظرة لا ضرورة لها، لماذا يهتم الأول بمعرفة رأي الثاني أصلًا؟! إلا لو ظهر في الجزء الثاني مبرر مفهوم لذلك.
نعم.. واصلت متابعة الصفحات الأخيرة، متخيلًا أنه في طريقه لكلمة (تمت)، غير أنني اكتشفت وجود جزء ثانٍ، ومع أن الرواية صدرت منذ سنوات، لم أسمع عن نزوله بعد،
فأتمنى ألا يتأخر الكاتب أكثر انتظار بإذن الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"