السبت، 10 فبراير 2018

قراءة في (شجرة اللبخ) لـ (عزة رشاد)|


بعد شهرٍ واحد وجدت نفسها تحت هذا الرجل، في فراشِ عطره بالورود، تدخل كلمات غزله الصارخة أذنها اليمنى وتخرج في الحال من اليسرى لاصطدام عينيها بضلفة الدولاب التي علق عليها بندقية وبلطة وسكينًا معقوفًا، وغيرها من أدوات لا تعرف اسمها لكنها تفزعها، إضافة إلى أن الطبنجة الميري التي تطل من سرواله الذي خلعه على السرير بجوارها لاتنفك تدفع برائحة البارود إلى أنفها، تلتفت وتتوسل الأمان من صندوق صغير كانت قد جمعت فيه بوحها للورق بحبها ولوعتها وصدمتها في همّام، كي لا تمنح الفرصة لمدكور ليسلبها كينونتها في فراش فرّت منه الورود.

انسيابية السرد في الفقرة السابقة ليست استثناء، بل تدفق أغلب أحداث الرواية بهذا "السحر".
في الواقع، تجربة قراءة هذا العمل تعد جرعة مركزة من المتعة.
تبدأ الأحداث من عند موت (رضوان) كبير درب السوالمة، ثم تتشعب عبر الزمان والمكان والشخصيات.
شخصيات مثل أرملتيه (سعاد) و(صافيناز).. الخادمة (شفاعة).. الابن (فارس).. حبيتة الابن (جميلة).. الخولي (حسنين).. الابنة (ليلي).. الضابط (مدكور).. عدو العائلة (همام بن مبارز).. (متولي) الذي يعد صديقًا في نفس الوقت لـ (همام) و(فارس) معًا..



أعجبني شخصية (متولي) بالذات، لدرجة أنني تمنيت أن أكون صديقًا أو زوجًا مثله.
هناك عيوب طفيفة شابت العمل، مثلًا: شعرت أنني أمام علاقة لطالما استهلكت في المسلسلات الدرامية القديمة، عن ابن باشا أحب فتاة فقيرة.
على الجانب الآخر: فقير ابن فقير يحمل عداوة قديمة مع عائلة الأب الإقطاعي، لكنه يقع في حب الابنة.
ثم اختتم الفصل الأخير بقفلة حملت نفس طابع الدراما العربي الملفقة، بلقاء تصفية الحسابات، قبل أن تهبط النهاية السعيدة التي تريح الجميع.
تلاها صفحات تشي بأن الرواية جمعت نتيجة جولة ميدانية في قرية، هذه الصفحات أعتبرها موفقة جدًا لأنها خففت من وطأة القفلة إياها، إذ التمست العذر -من جهتي- بأن الذاكرة الشعبية من طبعها تلفيق نهايات بهذه الدرامية.
فالعهدة على الرواة، أي أن هذه الشوائب المستكلة ليست ذنب المؤلف. 
نعم، أحببت التطلع إلى الصورة ككل من هذه الزاوية.
من العيوب أيضًا أن بعض الشخصيات الفرعية كانت كاريكاتورية مثل (ألبرت) الإنجليزي الخبيث، على الناحية الأخرى.. زميله المثالي الذي يحترم القانون.
في كل الأحوال.. لا أريد من لمن يقرأ كلامي الظن بأن هذه الرتوش نالت من استمتاعي بالعمل.
يكفي السرد الساحر على مدار 300 صفحة، علاوة على الأصالة التي تتشبع بها رسم المؤلفة للأماكن والشخصيات، أحييها على إبداعها المستمر في خلق تفاصيل وحكايات جانبية، أضافت حيوية/ دماء مستمرة إلى بنيان الرواية.

ولأن كل من خالطه حيا تأذى، أصبح من الضرورى ان يدفن تحت شجرة اللبخ، ويُحفر بجوار قبره مصرف، ليتأذى كل من زار قبره أو مر بجواره، ولأن الجنة بالأفعال والمعاملة والحب والتسامح، لم ولن يصبح درب السوالمة ..جنة رضوان. 

أصنف هذه الرواية.. ضمن أروح ما قرأت عن القرية المصرية.. ومكانها يؤهلها بأن توضع إلى جوار أعمال (خيري  شلبي) و(محمد البساطي) وغيرهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"