الأحد، 24 ديسمبر 2017

الليبرو

المتابعين لخطط كرة القدم، يعلمون عن مركز في طريقه إلى الإنقراض حاليًا، يدعى (الليبرو).
دوره هذا اللاعب باختصار: أن يحمي ظهر خط الظهر.
ونظرًا لأنني عشت طوال حياتي كمدافع، لطالما أحمل امتنانًا عميقًا لمن قاموا في حياتي بمهمة (ليبرو)، وعلى رأسهم (هيثم).
تعرفت عليه لأول مرة -بحق- ضمن منافسات الدوري المدرسي.
أولًا: على سبيل التوضيح، يمكن وصفي بأنني لا أمتلك ذرة موهبة في اللعب، وإنما أستخدم كرة القدم كفرصة لممارسة الإلتحامات الخشنة، كنوع من تفريغ الشحنة النفسية.
على الجانب الآخر، نذرت نفسي لاثبات خطأ نظرية (مدافع قصير/ نحيل= أداء يعتمد على التعقل وليس الخشونة)، كلا، قد أكون نحيلًا بالفعل، في نفس الوقت.. أنفجر فيكم جميعًا، لأريكم كم الضرر الذي يمكن أن يسببه كتلة من التعاسة وزنها 45 كجم × طول 165م.يمكن القول أن تحسن حالتي المزاجية، يتناسب تناسبًا طرديًا مع كم الإصابات التي أتسبب فيها.
أو أنني أعوض الافتقار إلى الموهبة بـ.. دعوني أسمه بـ (الاخلاص في العمل).
غير أنني أمتلك عيب آخر فادح، يكمن في غياب التركيز كذلك.
من الممكن أن أشرد لعشر ثواني، فلا أفيق إلا على صيحة (هيثم):
- (ياسين).. انظر خلفك.
أفاجئ بأن المساحة الخالية سابقًا، تحولت إلى ساحة تموج بالحركة، وهناك مهاجم في طريقه للدوران من خلفي.
تخرجت، أديت الخدمة العسكرية، كتبت قصصًا، عملت في مستشفى.
في كل مرة، يكرمني الله بأفراد يتطوعون بدور (الليبرو) في كل عمل جماعي أنخرط فيه، بغض النظر عن نوعه.
في الأغلب، يصنفونني كإنسان يستطيع القيام بدور ما، بإندفاع قد يؤدي إلي أحيانًا إيذاء من حوله.. أو نفسه.
إذن.. الصفقة دائمًا كالآتي:
- سنأخذ منه الحماس، ونعطيه التغطية اللازمة لنكفيه شرور نفسه العديدة، (الشرود، النسيان الشديد، التشاؤم، التحفز، الارتياب الهاجسي).
يحتملونني طوال المدة المشروع، فإذا انتهت.. أشكرهم من أعمق أعماق قلبي، ويمضي كل منا في طريقه.
إلا أمثال (هيثم)، مصرين على القيام بمهمة (التغطية) لي ولغيري إلى يومنا هذا، دون ما يضطرهم لذلك.
بالمناسبة، أغلب زملاء الثانوية العامة، لا يزالوا مقيمين في القرية حتى الآن، إلا أننا لا نستطيع ترتيب لقاء واحد يجمعنا. فنتظر عودة (هيثم) في أجازة، هو وحدة من يستطيع لم شمل الأغلبية.
منذ أيام، اتصل بي من مقر عمله بـ (القاهرة)، ليخبرني بإصابة طفيفة -قدر ولطف- ألمت بأحد الرفاق القدامي (يعيش في قرية مجاورة) في حادث سيارة.
المفارقة، أنني لم أسمع بالخبر بتاتًا رغم إنني على مرمى حجر من مصدره، بينما يبلغني به (ليبرو) مغترب على بعد مئات الكيلومترات.
- أستسطيع معرفة العنوان؟ أم تراك قد تتوه؟؟ يمكنك الاتصال بي فور وصولك إلى منطقة كذا، وأنا سأدلك بواسطة الهاتف.
شعرت بالإهانة لأول وهلة:
- أتوه؟؟ أنا....؟!! هل تعرف عني ذلك!
-...
عندما تراجعت موجة الانفعال، انتبهت إلى أن سؤالي لا معنى له.
بالتأكيد (هيثم) يعرف، ربما.. أكثر من أي شخص آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"