الجمعة، 27 أكتوبر 2017

كنت طير وصبحت مراكبي

عندما يزور زميل عاصمة محافظتك النائية، فإن المعتاد أن يتعرف على بعض المعلومات عن المكان من خلالك.
الغريب.. أن ما يحدث معي -في الأغلب- العكس تمامًا.
أحمد الله أنني ذهبت للقاء ذاك الرجل الطيب، فبخلاف أنني سعدت بالوقت الذي قضيته معه، كان رحلتي إلى سببًا في التعرف على أجواء ومعلومات لأول مرة، يكفي مروري بتجربة "التجديف" لأول مرة في حياتي.
مهلًا، لا أقصد (التجديف) بمعناه الفلسفي المرادف للهرطقة، بل أرمي إلى المرادف الحرفي (قيادة المراكب الصغيرة).
في البدء.. أخبرني الزميل أنه نزل في بيت نوبي في قلب النيل، من التي يتم إيجارها، وكانت هذه في حد ذاتها معلومة جديدة بالنسبة لي، سأحرص على أخذ بيانات ورقم صاحب المنزل، هناك العديد من الأصدقاء القاهريين يسألونني عن أماكن مماثلة، فينالني الكثير من الحرج، لأنني أعجز عن منحهم ردًا.
خلال الطريق مررت بعدة ملاحظات، أستطيع أن أوجزها في:
1- للذهاب إلى المنزل في البر الغربي، لابد من اختيار مواصلات التأمين الصحي، ثم الاتجاه منها إلى المعدية.
مع العلم، أنني درست لمدة عامين في المعهد الذي يقع على مرمي حجر من المنطقة، بل ولعبت عدة مرات على أرضية خماسي نادي التحرير، دون أن أعلم -أو أتخيل حتى- أن شارع النادي ينتهي بمعدية تقود إلى منازل للإيجار على الطراز النوبي.
2- الوقوف على المرسي + مراقبة أمواج النيل = أسرع طريقة تجلب لك الخبال.
لأن أمواج البحر تتحرك من الجنوب إلى الشمال، فتشعرك أن تسير إلى العكس.
اضطررت إلى النظر تحت قدمي عدة مرات، حتى أتأكد أنني ثابت.
الأمر يشبه وقوف قطارين في المحطة، فعندما يبدأ أحدهما في التحرك، يشك ركاب الآخر لأول وهلة، أنهم هم من يسيرون.
3- أخبرني الضيف العزيز أن البيت النوبي لا يفصله مسافة بعيدة عن البر الشرقي، إذ لا تتعدى المسافة 20 مترًا من مياه النهر، لدرجة أن:
- لو تجيد السباحة، تستطيع عبورها عومًا.
عندما وصلت، اتصلت به، لأخبره أنه خدعني، بعد أن هيأت نفسي للسباحة بالفعل، ووصلت إلى المكان، فوجئت بأن تقديره للمسافة خاطئ للغاية، إذ تزيد على الأربعين، لو أنها في حدود العشرين، لربما تهورت وفكرت في سباحتها بالفعل، لكن.. بما أن هذا غير صحيح، سأضطر لانتظار المراكب الصغيرة التي تلتقط راغبي العبور بين الجانبين.
4- التجديف!
لم أتخيل أنني أعيش في أسوان طوال 20 عامًا، ولم أجدف في حياتي إلا اليوم، الآن، ويكون السبب في ذلك، صديق زائر من محافظة أخرى، دعوني أخبركم أنني استمتعت بالأمر فعلًا، يقول أصدقائي المخضرمين في هذا الأمر، أنه مرهق جدًا لعضلات الذراعين والأكتاف، لكنني لم أشعر بأي من ذلك على الإطلاق، ربما لقصر المسافة البالغ.
استأذنت المراكبي المسن، لأساعده، فسمح لي بالتقاط أحد المجدافين.


5- عندما أمارس عملًا جديدًا من أي نوع، أخشى أن يبدو عليّ بوضوح "مسألة: كونها أول مرة".
النتيجة: أنني أحاول التغطية على ذلك، أتصرف بتسرع وحماسة مفرطين، حسنُ، المشكلة أن هذا بالتحديد ما يفضح موضوع "الممارسة لأول مرة". 
لكن.. لا يهم.. في كل الأحوال.. الأهم إنني استمتعت كثيرًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"