الأربعاء، 17 مايو 2017

مونولوج مسرحي مبتور

في القصص -فقط- يلقى البطل خطابًا حماسيًا، مما يؤثر -إيجابًا- بشدة في معنويات رفاقه، ومن ثم.. في نتائج المعركة.المأساة، أنني برمجت عقلي -منذ الصغر- على الاقتناع التان بجدوى هذه الخطابات، متناسيًا الفارق الكبير بين (الدراما) و(الحياة الواقعية).
أذكر أنني كنت أدخن سيجارة، بينما أتحدث إلى دفعة الجنود المستجدين، بأحد المونولجات الطويلة تلك.
لا أتذكر المضمون بالضبط، لكنه فهمت -لاحقًا- لماذا كانوا ينقلون بصرهم -بتعجب- ما بين وجهي، وبين اللافتة الكبيرة أعلى الجدار.. في الخلفية.
فكلامي يوحي بأنهم مقبلون على (عاصفة الصحراء 3)، بينما اللافتة تقول: (مستشفى سوهاج العسكري)، أي أننا سنتعامل مع (مرضى) بالأساس، فلم كل هذا الحديث عن الحاجة إلى (الصلابة).. إلى (قلب ميت).. و..عند هذه النقطة، أفلست ذخيرتي اللغوية عن مساعدتي في التعبير، فأكملت المعني من خلال استعارة مسرحية خرقاء، بأن أطفات السيجارة بكفي الأيسر.
استيقظت -متأخرًا- من اندماجي في الدور، على إحساس مسمار النار الذي رشقته في كفي.
لكن التراجع لم يكن ممكنًا، فوجدتني مضطرًا لاستكمال التظاهر بالكبرياء واللامبالاة، وأشرت للجنود بالانصراف، وبمجرد أن اختفى آخرهم داخل المبنى، حتى طرت إلى أقرب دورة مياه، وفتحت صنبور الماء البارد -عن آخره- على كفي.
يقولون عن (هتلر) أنه كان خطيبًا مفوهًا، يستطيع أسر ألباب الجموع بكلماته، لكنك إذا سألت أحدهم بعد انتهائها، عن مضمون ما قيل، ستجده يصدم بأن.. بأنه لا يتذكر.. فقد اعتاد الفوهلر أن يبيعهم (حالة).. وليس (خطابًا منطقيًا) بالضرورة.
منتهى البؤس، ألا تمتلك هذا ولا ذاك، ومع ذلك، تظل متمسكًا بالمحاولة.
ظننت أنني نضجت مع اقترابي -حاليًا- من سن الثلاثين، فشفيت من تلك المسألة، غير أننا خضنا نهائيات بين مراكز الشباب مؤخرًا، ضمن مجموعة من رفاق يصغرتني سنًا.
وقفنا على رأس الطريق الرئيسي في الصبح الباكر، ننتظر انضمام العضو الأخير، فلم أستطع المقاومة بصراحة، ألقيت عليهم خطبة عصماء، لا أتذكر مضمونه بصراحة، لكنه -كالعادة- كان يدور في إطار، ما معناه (لنتصرف كرجال).
فجأة، وجدت سيارة أجرة تقف على بعد مترين، فسألت:
- من منكم استوقفها؟ ألا تعلمون أننا ننتظر زميلنا طارقًا؟!
شعرت بأنهم محرجين من الرد، قبل أن يقرر أحدهم الافصاح أخيرًا، بمنتهى التهذيب:
- لم نفعل، بل أنت.
- ؟؟!
- عندما كنت تلوح أثناء كلماتك الحماسية، ظنك السائق تشير له.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"