الجمعة، 3 مارس 2017

الظهير


تمنينا -طوال طفولتنا- أن نلتقي بعرافة، عسى أن تشي لنا بما سنفعله في المستقبل.
ثم.. الآن فقط.. أدركت أننا لم نكن بحاجة إلى ذلك أبدًا، فكل ما أقدمنا عليه، كانت مؤشراته واضحة من وقتها، نحن الذين غقلنا -بشكل غريب- عن قرائتها، سواء في:
اختيارنا لمقعد في المفصل، طريقة الإجابة، بل وحتى أثناء ممارسة الرياضة.
لأتحدث عن الأخيرة تحديدًا.
سألت رفيقي العتيد، بطل ألعاب القوي على مستوى المدينة وقتها:
- لما تختار مسابقات العدو 200 متر بالذات؟
- لأنني لا أصل لأوج سرعتي مباشرة، أحتاج إلى وقت، بالتالي لن أحقق نجاحًا يذكر في منافسات 100 متر، على الناحية الأخرى؛ ليس لدي النفس الطويل لقطع الـ 400 متر.
ابتسم الآن، وقد كبرت وكبر أحمد، لم تعد هناك رياضة ولا منافسات طلابية، لكن اختيارات صديقي لم تتغير، فتتفق مسيرته المهنية مع نفس نظرية المسافات المتوسطة، واعتماده على تضاعف كفائته في النصف الثاني.
ماذا عني؟ ممم لا أعرف.. لعبت عددًا من الرياضات، ربما ظل العامل المشترك الدائم بينها شيء واحد.. الدفاع..
لم أكن أخوضه كـ "مركز/ دور" داخل "لعبة"، بل تعاملت مع الأمر كرسالة سامية.
يوجد أعتقاد خاطئ شائع، بأن "مقدار القوة الغاشمة، يتناسب تناسبًا طرديًا حجم البنيان الجسدي".
حسن.. منحتهم - على مدار سنوات الصبا- كتلة حية لا تتجاوز الـ 45 كجم، متسائلًا إذا ما كان بإمكانكم؛ احصاء كم الإيذاء البدني الذي تستطيعه؟
لطالما تطلع بحسد دفين، إلى زملائي الفريق أصحاب اللمسات المهراية الجمالية، تقدمت إلى الأمام عدة مرات، والإنضمام إلى مركز الهجوم، محاولًا تقليدهم. 
النتيجة: 
-فشل ذريع/ سخرية/ مزاح سخيف من رفاقي.
تقهقرت -منكسرًا- إلى وطني.. مركز "الظهير".. هنا لا يجرؤ أو يطمح أحدهم المزاح معي.
تعودت التصالح مع موقعي التي خلقت له وبه، حتى عندما ذهبت إلى مركز الشباب، ففوجئت بالإدارة قد نصبت شبكة كبيرة، ليحولوا بواسطتها ساحة الكرة الخماسية إلى "ملعب طائرة"، يفترض أن اللعبة الجديدة لا تتضمن أي التحام بين الفريقين، من المغري -إذن- أن أختار مركز الهجوم، فأقذف نفسي إلى السماء، وأصفع الكرة بحدة في اتجاه الطرف الآخر..
مع ذلك، رغمًا عني وجدتني أكمل الطريق، لأتخذ مكاني في الخط الخلفي، بالفعل أديت جيدًا بالغريزة، وربحت الدورة مع فريقي.
اكتشفت -لأول مرة- أن المسألة لا تتعلق بإدماني القاء الذات في التحامات خشنة، بل بفكرة "التغطية" بمعناها اليومي الواسع، في كل تفاصيل الحياة.
بين فترة والأخرى، يظهر مشروع كبير قيد التخطيط، يشرفني زملاء أعزاء بالدعوة للاشتراك فيه، ومع أن خريطة المواقع شبه خالية، فأستطيع اختيار أي دور في الواجهة، تعجب أصدقائي مؤخرًا أنني تركت بريق الصفوف الأمامية، وفضلت وظيفة تقنية في الكواليس.
من هذه الخانة، يمكنني الاستماتة في دفع الفكرة للأمام، بكل ما أتوتيت من طاقة داخل الـ 63 كيلوجرامًا الحاليين، لكن ليس من موقع الواجهة.
لم أستطع منحهم تفسيرًا حول ذاك، لأنني أنا نفسي عاجزًا عن تحديد السبب.
بالمصادفة التقيت رفيقًا قديمًا لأيام الصبا، فتذكرت ما كنت عليه تلك الفترة، لأول مرة ينمحي أي غموض حول سر اختياراتنا الحالية.. اختيارات أصدقاء الطفولة.. فردًا فردًا..
كان مستقبلنا جميعًا بمثابة مفتوح.. دوافعنا وميولنا الفطرية سطرت بوضوح منذ البداية..
بناء عليه، هذا هو موقعي الذي تصالحت/ أتصالح مع الالتزام به إلى أن أموت.
مجرد "ظهير/ مدافع"!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"