السبت، 25 فبراير 2017

من كتاب (نبوءات الخيال العلمي)| الليزر

استدار يطلق نحوها أشعة مسدسه الليزري، لكنه أخطأ إصابتها، فدارت حول نفسها، وأطلقت نحوه شعاعًا رفيعًا.
امتلأت نفسه بالحنق، وهو يخطئ في إصابة العشرات منها.
هتف أكرم غاضبًا:
-لا يمكنني استخدام هذا السلاح السخيف، أريد سلاحًا عاديًا، لا يمكنني النجاح أبدًا، باستخدام هذا الشيء.
قالها، وألقى المسدس الليزري أرضًا.

المشهد السابق ينتمي لسلسلة (ملف المستقبل) الشهيرة، التي حملت توقيع د. (نبيل فاروق)، فبعد أن أضاع (أكرم) مسدسه العادي في مملكة (لانتس) المفقودة، اضطر في إحدى اللحظات النادرة إلى استعمال نظير ليزرى، وهو المعروف بكلاسيكيته وميله لكل ما هو قديم، وهو –في الواقع- أحد أبرز الأسباب التي جعلته البطل المفضل الأول في مراهقتي.
سؤالي حاليًا؛ هل كان أكرم سيحب الأشعة، لو علم أنها استخدمت في الحروب منذ التاريخ السحيق، أي أنها سلاح كلاسيكي كذلك؟
ينسب الانجاز إلى أحد أعظم علماء اليونان القديمة، إنه الرجل الذي يُشاع اكتشافه لقانون الطفو أثناء استحمامه، فخرج عاريًا إلى الشارع.. يهتف (أوريكا..أوريكا)..أى وجدتها..
نحن نتحدث بالتأكيد عن العالم (أرشميدس)، الذي هب -بعقليته العلمية الفذة- يدافع عن جزيرته الأم (سيراكوزة)، حيث فاجئ الجيوش الرومانية بسلاح قادم من عالم الخيال، فقد صنع مرايا ضخمة تركز أشعة الشمس على سفن العدو، وتحرقها.
فيما بعد، يُقال أن العلماء سعوا للتأكد -عمليًا- من هذه الرواية، فأعادوا تجربة الابتكار في زمننا المعاصر، وحققوا نجاحات محدودة بنسب متباينة.
لاحقًا، عادت الأسلحة المشابهة إلى رف الأدب، في مقدمتهم رواية (المجسّم الزائدي والمهندس جاران) عام 1927م، وبعد صدورها بعدة عقود، اعترف الفيزيائي الحاصل على نوبل (تشارلز تاونز) أنه استلهم منها الكثير في ابتكاراته بمجال الليزر، الرواية من تأليف الأديب الروسي (توليستوي)، ليس مؤلف (الأرض والسلام) و(أنا كارنينا)، بل (أليكس توليستوي) صاحب إسهامات الخيال العلمي الهامة، كـ "إيليتا"، التي تحولت لفيلم صامت شهير فيما بعد.
توغلت رواية (المجسّم) بشكل أكبر في مفهوم الليزر، أكبر حتى من سابقتها الأشهر  عام 1889م (حرب العوالم)، إذ اكتفت الأخيرة بالتركيز على الغزاة المريخيين، الذين دكوا المدن الأرضية بمدافع إشعاعية، وكان العمل كالعادة بتوقيعه.. نعم.. من سيكون غيره؟! (هربرت جورج ويلز).
استقبلت الرواية باستغراب نظرًا لأنها تخاطب زمن لم تخترع فيه الدبابة حتى، كما ذكرنا بالأعلى.
كما أن قوانين (ماكسويل) تنفى تمامًا إمكانية وجود سلاح شبيه، حيث تنص على أن أي مصدر الضوء ينشر إشعاعه في كل اتجاهات الفراغ، ويحوى ترددات مختلفة غير مجانسة، والنتيجة؛ أنه لا تهجينه وإطلاقه فى حزمة واحدة مكثفة كما في الرواية.
هكذا قضت فيزياء نيوتن ونتائج ماكسويل على أي أمل في هذا الصدد، خصوصًا تلك الأولى التي تربعت على عرش فهمنا للكون، واستمر تسيدها للمجال طوال قرنين كاملين أو يزيد. 
بيد أن المملكة القديمة جاءتها الجمهورية التي أزحتها، وبدأت النهاية مع العالم الألماني (ماكس بلانك).
نادى (بلانك) أن الضوء ليس مستمرًا كما أعتقد نيوتن، بل يكون من حزم متقطعة دقيقة أسماها (الكم)، ثم التقط مواطنه أينشتاين طرف الخيط، وأضاف افتراضه حول تكون الضوء من دفقات صغيرة أُطلق عليها فيما بعد (فوتون).
وهكذا تم تفسير العديد من الظواهر التى شلت فيزياء نيوتن أمام تفسيرها، صحيح أن الأخيرة وضحت الكثير عن مبادئ الضوء، وحركة الكواكب والأجسام الكبيرة، لكنها هشاشتها كانت تظهر -بوضوح- عند محاولة تطبيق نفس القوانين على حركة الأجسام دون الذرية، فلم تستطع فك طلاسم العديد من الألغاز، مثل؛ انصهار المواد عند درجات حرارة معينة، تحول بعض المواد إلى نواقل فائقة عن تبريدها، أو إشعاع الغازات للضوء عند تسخينها.
في هذا المضمار، اكتسحت فيزياء أينشتاين بنجاح.
الشاشة التي أشاهد فيها كلماتي الآن، بينما أنقر على لوحة المفاتيح، إضافة إلى ليزر الفارة، التلفاز، الخلايا الشمسية، كلها مكاسب نتاج إجابة أينشتاين عن سؤال واحد: - ما سبب انطلاق الإلكترونات من المعادن عند تسليط الضوء عليها؟
الإجابة أن المعدن يتكون من  ذرات متقاربة يمرح بينها الكترونات حرة، لولا أن هذه الإلكترونات لا تستطيع الفرار، يسجنها قوى التجاذب التي تملكها أنوية ذرات المعدن المتقاربة، حالة واحدة فقط تتمكن فيها من الهروب، ألا وهى عندما تحصل على قوة كافية فى صورة ضوء أو حرارة تسلط عليها.
هذه السطور هي ملخص ما نال عنه (أينشتاين) جائزة نوبل، نعم، نظرية (التأثير الكهروضوئي) وليس نظريته الأشهر (النسبية)، فقد سببت الثانية حالة طويلة من إنكار الأوساط العلمية، حتى ثبت صحة صحتها متأخرًا.

نفس نظرية التأثير الكهروضوئي، قادت إلى الانجاز المبكر للعالم (ميمان) بإنتاج أول ليزر عام 1960م، تحققت نبوءة (ويلز) أخيرًا فى صورة حزمة من شعاع متألق يخرج من ياقوت مطعم بالكروم، وهى العناصر التي استخدمها (ميمان)، قبل أن يتم اختراع ليزر الهيليوم نيون يعدها بشهور قليلة.
-
لتحميل كتاب (نبوءات الخيال العلمي) كاملًا.. من (هنا). 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"