السبت، 25 فبراير 2017

من كتاب (نبوءات الخيال العلمي)| الأوبئة

 
وسط ضجة الجلبة الدائمة في ميناء الصين، وقع حادث صغير غير ملحوظ.
- بضعة فئران تسللت إلى السفينة المتجهة إلى مدينة (ميسينا) الإيطالية.
هذا الحدث الصغير أدى فيما بعد إلى هلاك ربع سكان أوربا، ونشر الرعب في أشنع حقبة شهدها القارة العجوز، مما اصطلحوا على تسميته بـ (وباء الموت الأسود).
السر أن هذه الفئران كان حمل وباء الطاعون الذي بدأ في هونج كونج والصين، ثم أتى على أوربا بسبب هذه الحادثة الصغيرة.
طرد الأهالي بحارتهم عندما شكّوا أنهم سبب الوباء، واستحم بعضهم بالبول عندما قيل أنه يحميهم من المرض، كما أغلقت اغلب المصالح الحكومة، لأن العاملين فيها في الأغلب قد ماتوا، حتى لعبة حلقة الورد التي يلعبها الصبية حتى اليوم، تعود جذورها لتلك الفترة عندما كانت الإزهار تستخدم كقناع لإبعاد الروائح الكريهة للموت من حولهم.
ولا ننسى الكوليرا التي انتشرت عام 1842م لتقطع أوربا بالكامل حتى وصلت غلى بريطانيا، وخلفت في طريقها عشرات لقتلى، ولم تشأ الأخيرة إلا أن تترك بصمتها إلا على مصر أيضًا، من يقرأ الأعمال الأدبية للقرن الماضى حمًا سيجد ذكرى تلك الرائحة الكريهة تفوح بين صفحاتها، كـ؛ طه حسين في (الأيام)، وخيري شلبي في (الوتد).
عقب الحرب العالمية الأولى، ظن الجميع أنهم لن يمروا بهلاك أكثر مما ذاقوه فيها، لكن الزمن أثبت لهم أن هذا غير صحيح، فور ظهور ما أطلق عليه (الأنفلونزا الأسبانية)، وساعد في نشرها الجنود العائدين من الحرب لتحصد المرض ما بين 20 إلى 40 مليون نسمة حول العالم.
جميعهم احتضر برفقة آلام المخاط المدمم، الذي ملأ رئاتهم وشعبهم الهوائية.
من المعروف أيضًا أن علاقة الأوبئة بالجيوش معتقدة، فلم تقتصر نظرة الطرف الثاني للأولى على أنها "عدو طبيعي" إضافي، فأحيانًا تتحول إلى سلاح..
ولهذه المسألة جذور موغلة في القدم، ربما منذ أيام التتار أنفسهم، عندما كانوا يلقون جثث موتى الطاعون، داخل أسوار المدن المحاصرة، كي تنتشر بينهم الأوبئة، ويسارعوا بالاستسلام، مرورًا ببدايات تأسيس الولايات المتحدة، عندما أهدى الرجل الأبيض للهنود الحمر، بطاطين ملوثة بفيروس الجدري، علاوة على اتهام الصين لليابان باستخدام الغازات السامة 2900 مرة، خلال فترة الاحتلال، مما نتج عنه مصرع ثمانين ألف مواطن صيني.تقدم الطب بخطوات واسعة إلى الأمام، وإن ظلت الأوبئة تتحدى تفوق الإنسان من حين لآخر، ومن ثم استمرت كثيمة متجددة تنهل منها أقلام الخيال العلمي.
القصة دائمًا عن وباء مفاجئ، أو فيروس طوره البشر قبل أن يخرج عن السيطرة، أو ربما يبقى سبب الوباء متواريًا طوال القصة لتتركز بالأساس على رحلة الأبطال من أجل النجاة.
من أوائل مقتحمي هذا الدرب، الفرنسي (جان باتبست) التي تأثر فيها بملحمة الشعر النثري (الفردوس المفقود) لـ (جون ميلتون)، فبينما تحدث الثاني فيها عن أبويّ البشر (آدم وحواء)، ركز الأول على حياة (الرجل الأخير)، وهو الاسم الذي منحه لقصيدته الطويلة المنشورة عام 1805م.
وهو نفس العنوان والموضوع الذي اختارته الإنجليزية (ماري شيلي) التي يعرفها الأغلبية بروايتها الشهيرة (فرنكشتاين)، غير أننا نتحدث عن نثر هذه المرة وليس شعرًا، نشرت (ماري) روايتها عام 1926م، وتعتبر من أوائل الأعمال التي تناولت (نهاية العالم "وبائيًا")، من خلال (الطاعون).
استمرت الأمر على هذا النحو، مع اختلاف سبب الوباء.. طريقة انتشاره.. المكان.. الزمان.. عدد الناجين.
فبالنسبة للأخيرة تحديدًا، تارة تغدو الشخصية الرئيسية عبارة عن ناجٍ واحدٍ.. (الأرض تصمد) لـ(جون ستيورات) عام 1949م، (العالم الفارغ) لـ (صامويل يود) عام 1977م، (أنا أسطورة) لـ (ريتشارد ماثيسون)، ولعل أغلبنا يذكر الأخيرة أكثر، بحكم تحولها إلى فيلم شهير بطولة (ول سميث).
تارة ثانية يكون الناجون جماعة.. تتوزع التركيز بينهم.. على غرار (الصمود) عام 1978م، لأسطورة الرعب (ستيفن كينج)، التي استوحاها بالتحديد من حلقة لبرنامج 60 دقيقة، على قناة CBS، وأنقل عن مدونة الزميل (مصطفى اليماني)، مقاله عن خلفية كتابة الرواية:
- جلس (كينج) ذات ليلة أمام التليفزيون، ليشاهد حلقة خاصة عن الحرب الكيميائية، وقد أثارت مخيلته. «لم أنس أبدًا المشاهد البشعة لفزع، وارتجاف، واحتضار فئران التجارب، كل هذا في 20 ثانية أو أقل»...
ويضيف:
- كما أن The Stand كُتِبت لتسير على الخطى الملحمية لرواية سيد الخواتم لـ جي. آر. آر. تولكين، ولو طبقنا الأمر على العالم الحديث، سنجد أن (لاس فيجاس) تماثل أرض موردور. يجب أن تشهد بالأمر لكينج، فالرجل يعرف كيف يجمع بين هذه المؤثرات مثل بروفيسور حقيقي..
حتى تكنيك انتشار الوباء، تطور داخل القصص بشكل متزامن مع تطور العلم، ففي البداية كنا نقرأ عن العدوى العادية، أو بواسطة وسيلة تكررت في أدبيات القرنين السابقين، هي "الغيمة السامة"، بدأت هذه التقنية مع أولى أعوام القرن العشرين، ورواية (السحابة الأرجوانية)  لـ (ماثيو فيبس شيل)، ثم أعاد (آرثر كونان دويل) استخدامها، نعم.. هو نفسه مؤلف شخصية (شارلوك هولمز) البوليسية، اقتحم مجال الخيال العلمي، بنفس فكرة السحابة الوبائية في رواية (النطاق المسموم).
مع تطور علوم الوراثة، بدأ المؤلفون يتحدثون عن الأوبئة المهندسة جينيًا في المعامل، رواية (ظهور) لـ (ديفيد آر بالمر) عام 1984م.. (كالكي) لـ (غور فيدال) عام 1978م.. (أونيكس وكريك) للكاتبة (مرجريت أتوود) عام 2003م.. كما حاولت أعمال أخرى التماشي مع الأوبئة الجديدة، فاستخدمت رواية (المحطة 11) مثلًا فكرة (أنفلونزا الخنازير)، وحصدت عنها جائزة ( آرثر كلارك) كأفضل رواية، في نفس سنة ظهورها عام 2014م.
عندما نذكر أسماء الثميات العامة، مرفقة بأمثلة، قد يظن القارئ أننا بصدد أعمال مكررة مستهلكة، لكن أغلبها أثبت -بالفعل- قدرته على انتزاع "الدهشة"، فالباب لم يغلق على إمكانية تناول فكرة معينة بعدد لا نهائي من المعالجات النوعية الجديدة، نذكر هنا محاولة كاتب نوبل (جوزيه ساراماجو) الشهيرة، عن وباء غرائبي مختلف تمامًا، وباء سبب (العمى) الجماعي للكل.
كذلك، خرج علينا المؤلف (جيف كارلسون) برواية عن مرض استهدف ذوات الدم الحار فقط، فيما عدا المناطق غاية الارتفاع فوق سطح البحر، ولكم أن تتصوروا الصورة البشعة لسطح الأرض وقد سادها الزواحف والحشرات.
خلال سلسلة القصص المصورة (واي: الرجل الأخير)، تعاون المؤلفان (بريان ك فون) و(بيا جيرا) في تقديم حبكة مختلفة، فنجد ها هنا تهديد بيولوجي قضى على كائن حي يحمل الكروموسوم (y)، فخلا العالم –تقريبًا- من الذكور سواء بشر أو حتى ثديات.
نستمر مع عالم القصص المصورة، فلا نستطيع تخطي سلسلة (الموتى الأحياء)، للكاتبين (روبرت كيركمان) و(توني مور)، حازت السلسلة ظهورها الأول عام 2003م، وحصدت نجاح باهر أهلها للحصول على جائزة (إزنر) كأفضل سلسلة كوميكس، والتحول إلى مسلسل شهير لا تزال مواسمه مستمرة إلى الآن.

 -
لتحميل كتاب (نبوءات الخيال العلمي) كاملًا.. من (هنا). 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"