السبت، 18 فبراير 2017

زيارة مسروقة إلى ورشة (تيكني) لريادة الأعمال

مساء أمس، بدأت الشرارة برابط مررته لي زميلة قديمة، عبر رسالة على الخاص.
نقرت للانتقال إلى التفاصيل، فوجدتها تتمحور حول ورشة عن (ريادة الأعمال).
الدعوة مفتوحة. 
المكان: مقر الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولجيا والنقل البحري- فرع أسوان.
العنوان: لأول وهلة قرأته (توينكس).. ثم أنني أدركت أنني كنت جائعًا أو ما شابه.. لأن الاسم الحقيقي هو (تيكني).
بدأ عقلي في رسم جدول، للموازنة بين خانتي (مغريات الذهاب)، في مقابل (عوائقه). 
ضمت الأولى عوامل؛ الكسل، الجو البارد، ابتعاد المسافة عن المدينة، صعوبة المواصلات عند العودة إلى قريتي ليلًا، ثم أن (ريادة الأعمال) خارج قائمة أول عشرين أولوية في اهتماماتي.
بينما اشتمل الطرف الآخر من المعادلة على:
- تغيير جو. 
- التعرف على وجوه جديدة.
- طوال الوقت أجدني مضغوط في مشروع رواية، إلا في فترات الفراغ البينية ما بين إنهاء عمل، والبدء في آخر، من حسن الحظ أنني أعيش -حاليًا- إحدى الفترات النادرة تلك.
- 90% من حياتي، أكرسها الكتابة داخل منفاي الاختياري، على الكرسي أمام الحاسب، في قريتي البعيدة السعيدة، غير أن أفكار الرويات لن تأتيني طواعية إلى هناك، لابد من الخروج إلى الشمس بين الحين والآخر، والبحث عنها بين الناس.
عندما تصفحت الوجوه المشاركة، بزغ دافع آخر ذو مذاق خاص، اسمه (أحمد بسطاوي)، أحد رجالات (آيس أليكس)، الذي أشرف على ورشة تدريبية تصادف أن شاركت بها، يااااه، لك أوحشني هذا الرجل.
وجدت فيه حافزًا كافيًا لتغليب الكفة الثانية.
ارتديت جلبابي الأبيض، وصحبت معي رواية (جيكاي.. غضب أبادون)، لأسلي نفسي بها في المواصلات.
                                           *********

تأخرت الفاعلية عما هو متوقع، كعادة أي شيء في مصر، فأخبرونا أن نذهب إلى صلاة الجمعة، وعندما نعود، سيغدو كل شيء جاهزًا.
عندما ذهبت إلى المسجد المجاور للأكاديمية، فوجئت بأنه يحمل اسم جلالة الملك (فاروق)، ويعود تاريخه إلى تلك الحقبة.
عدت إلى المقر، ليتم تسليمنا بطاقات تحمل شعار الفاعلية، بالإضافة إلى حقيبة تحوى مفكرة، مطويات، إلخ.
أحب الاحتفاظ بتلك الأشياء التذكارية، لديّ هويات ومنشورات تعود إلى فاعليات مماثلة حضرتها منذ المرحلة الثانوية.
وضعت الرواية داخل الحقيبة الجديدة، وهو الخطأ الذي دفعت ثمنه لاحقًا، ثم كررت البحث بعيناي عن (أحمد بسطاوي)، أنا متأكد من وجود اسمه بين المتحدثين، أمعقول ألا يتواجد؟
ثم.. ظهر أخيرًا، نفس الابتسامة البشوشة، ولمعة العين خلف النظارة الطبية.
وضعت يدي على كتفه، وعندما التفت:
- التقينا من قبل في إحدى الورش التدريبية، أنا الذي...

- بالطبع أتذكرك.
تعجبت بصراحة، لماذا يملك كل الناس مثل هذه الذاكرة الحديدة، تمنيت لو استغرق وقتًا، على الأقل، حتى لا أشعر الوحيد الذي يعاني من الزهايمر.
أتفاءل جدًا بهذا الرجل!
تعلمت منه الكثير بالفعل. 

                                         **********

اتخدت مكاني في مقعد قريب من المنصة، ترددت عما إذا كان ذلك خيانة لفكرة البقاء في الظل، فكرت لثوانٍ ثم حست موقفي،  سأستطيع البقاء صامتًا بغض النظر عن موقعي، سأفعل بإذن الله.
شعرت بعدد من طلبة الأكاديمية، يملئون الصف خلف ظهري، وكانت هذه اللحظة بداية تعارفي بأحد مكاسب الورشة (تاج الدين).
سمعته يتذمر طالبًا منهم العودة إلى المقاعد الخلفية، نظرًا لأنه سيعجز من السيطرة على تعليقاته الساخرة، وهو ما قد يوقعه في الحرج، نتيجة وجوده في منطقة مكشوفة للمنصة.
تعلمت ألا أفلت مثل هذه النوعية من الأشخاص، فتعارفنا، واستحلفته أن يبق بالجوار، من ذا الذي يكره المرح؟!

                                        **********

نبراتي الجهورية غير مناسبة بالمرة للقاعات المغلقة، خصوصًا ذات الطابع الرسمي.
أدرك هذه الحقيقة جيدًا، فاضطر -بكل أسف- إلى التعايش معها، تخيل أن توظف جزء من تركيزك -طوال الوقت- للابقاء على صوتك ضمن الحدود الآمنة!
حتى لاح لي مُتنفس للتحرر أخيرًا.
أحد المنظمين، سأل:
- من منكم ترك سيارته في الخارج؟ يجب إدخالها للجراج حالًا، ونش المرور قادم خلال عشر دقائق.
كرر سؤاله مرتين، إلا أن صوته غاب وسط ضجيج القاعة.
اقترح آخر:
- استخدم مكبر الصوت الداخلي.
فزعت فور سماع الكلمة:
- وأنا موجود؟
نهضت لأتنحنح مرتين، ثم مسحت المكان ببصرى لتحديد نبرة النداء المناسبة، وعما إذا كان المطلوب تغطية القاعة فقط، أم الأكاديمية بالكامل.

                                        ************

في كل فاعلية/ ورشة تدريبية/ منافسة أحضرها منذ الطفولة، أتطلع بحسد إلى أولئك الغامضين، الذين يتمتعون بجاذبية البقاء صامتين، نجهل -طوال الوقت- فيم يفكرون، في المقابل، أعاني أنا من ملأ الدنيا ثرثرة، اقتراحات، مداخلات اعتراضية.
أحد أحلامي القديمة التي استعصت عليّ حتى الآن؛ أن أسيطر على اندفاعي قليلًا، فأصير مثلهم ولو لمرة واحدة.
رأيت أن الفرصة قد جاءت اليوم.. مجال الورشة لا يقع ضمن اهتماماتي المباشرة، فلن يوجد ما أضيفه من الأساس.
نيهاهاها.. في أحد قصص (أحمد خالد توفيق)، توجد أسطورة (هو الذي يمشي في الظلال)، لأول مرة في حياتي، سألعب دور مشابه
طلبوا منا الانقسام إلى 4 مجموعات، كل منهم تعمل على قضية محددة، وبحمد الله، كلها غامضة بالنسبة إليّ، فبحثت عن تلك التي يشرف عليها (أحمد بسطاوي)، طالما الرؤية ضبابية في كل الاحوال، ليكن ضبابًا بجوار وجوه مألوفة.. آه.. وتحريت وجود (تاج) معي طبعًا. 
انتويت -في البداية- أن أصغي وأستفيد صامتًا، وإن اضطررت للحديث، لا داعي للاندفاع باقتراحات خرقاء ككل مرة، وإن وقع المحذور.. وفعلت.. لا لا.. لن أكون من يمثل المجموعة، ويخرج للحديث عنهم على المنصة.
مرت أول عشر دقائق، دون وصولنا لفكرة محددة، اللجنة المنظمة تلفت نظرنا لنفاد الوقت تقريبًا، لم أستطع المقاومة، طلبت منهم ألا يسخروا مما أقوله، لأنني وجدت واحدة بالفعل، قد تبدو مضحكة لأول وهلة.
لا أعرف كيف بدأ التسلسل بالضبط؟!
جل ما شعرت أن العقد انفرط سريعًا، فأمر بكل تلك المحاذير التي حاولت تحاشيها، فلم أفق إلا والمايك في يدي، ووجهي في مقابلة القاعة ممتلئة عن آخرها، أما فريقي فيحتل أقصى اليمين، تؤمئ رؤسهم بابتسامات مشجعة، ما معناه:
- هيا، اخبرهم عن الفكرة، لا تقلق، إنها جيدة بالفعل.

                                           *********

أحمل فوق ظهري كومة تجارب فاشلة/ ملموسة خضتها في مجالات؛ الكتابة، الفنون البصرية، الفيديو، التخطيط لمشروعات ثقافية، غيرها.
ظللت أتعامل مع العبء السابق، كلعنة ابتليت بها، ولم أعرف لها جانبًا إيجابيًا، إلا خلال فاعليات الورشة.
لاحظت أن نفس تلك الاخفاقات، تجعل المرء كالمدية السويسرية، منفتح على الكثير الأجواء.
إذا أردت -على سبيل تغيير الجو- حضور فاعلية ما، وطلبوا مني -فجأة- التقاط مكبر الصوت، والمشاركة.. كل ما علىّ فعله البحث في رصيدي الأسود تلك، وبناء عليه.. سأجد -في الأغلب- ما أقوله.
الإعلام؟ هناك مشاريع الدوريات العديد التي أطلقتها، لتتوقف بعد عدة أعداد.
إدارة المشروعات الثقافية؟ يمكنني الثرثرة حول فكرتنا التي نفذناها لمرة واحدة فقط على الأرض، مهرجان (ونسة) التراثي.
الإعلام + تكنولوجيا المعلومات؟ لدي مدونة وعدة فيديوهات ارتجالية رديئة التصوير.
السيناريو؟ نفس الفيديوهات أعتقد أنها تصلح.
ريادة الأعمال؟ بنيت على ما سبق، وارتجلت فكرة تطبيق موبايل لوذعية، في 15 دقيقة.
رحلات (ناسا) إلى المريخ؟ لا أذكر، لكنني أعتقد لو تذكرت برهة، سأجد أنني امتلكت محاولة خرقاء سابقة في ذلك أيضًا.
أما عن أعظم لحظة امتننت فيها لكل تلك الاختفاقات، عندما قال المتحدث ضمن كلمته:
- مشكلتكم أنكم تتحدثون عن أفكار، لكن لا أحد منكم يتخذ خطوة، و...
كان حقيق عليّ لحظتها، أن أقاطعه بتحفز، لأرد عليه بما فتح الله عليّ وقتها.
كونك "مجرب فاشل"، سيحميك من محاولة أحدهم التفلسف عليك، واتهامك بأنك "مفكر سلبي".

                                           
                                            **********

حقيبتي التي وضعت فيها الرواية.. للأسف.. ضاعت..
لاحظوا أن المنظمون وزعوا مثلها على الجميع، ففي الأغلب، ظنها أحد زملائي تخصه.
ذهبت إلى (بسطاوي) اطلب رأيه، فأشار إلى تلك الجميلة من اللجنة المنظمة، في أقصى القاعة:
- اذهب إلى أستاذة فلانة، وستساعدك.
وللحق، لم تتأخر عني، فانتظرت لحين انتهاء المتحدث، وأعلنت في مكبر الصوت عن المشكلة، ووضحت:
- برجاء من الكل أن يتأكدوا من حقائبهم، زميلكم يقول أن الرواية تحمل توقيعًا شخصيًا من المؤلف، لذلك هي مهمة له جدًا.
وددت لو أضيف:
- ليس هذا فحسب، الزميل (حسام نادر) أدمغ صفحتها الأولى، بختم (أبادون)، وبدونه سيكون دخولي لكوكب (برفوم) غير شرعي.
أحجمت في اللحظات الأخيرة، عندما أدركت أن أحدًا لن يفهم ما أقول في الأغلب.
بحمد الله وجدت الرواية.. يا الله.. المال الحلال يا يضيع أبدًا!

*********

عدت بذكريات طيبة من الورشة، وهو ما طرح في الوقت ذاته..  ظلال نقطة مفزعة تلح على عقلي في مثل تلك المناسبات:
الطريقة التي ينتهجها المنظمين، كي يلفتوا نظر المنصة إلى نفاد الوقت
-  أكثر من مرة تلوح فاعليات مشابهة، فأميل البقاء في المنزل لأسباب لها علاقة بالتكاسل، أو استثقال بُعد المسافة، إلخ.. لقد جربت هذه المرة الانحياز لفكرة "الحركة"، وحزت يومًا باسمًا لم أندم عليه، فكم من فرص مماثلة صيعتها، عندما انهزمت، وفضلت البقاء مكاني!

                                            *********

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"