الجمعة، 21 أكتوبر 2016

(عدل) قصة × صفحة:

نحى مجرى حياته فى نفس المسار اليومى المعتاد:
-الاستيقاظ من النوم، إلقاء تحية الصياح عليها، قذف المنشفة على كتفه،الاغتسال، الجلوس على طاولة الافطار.
الفارق الوحيد، أنه على غير عادته، خرس لسانه عن النطق بكلمة واحدة.
كل ذرة من جسده باحت بتلك الصرخة، عدا ذاك الموظف المختص بالتحديث، والذى سكن داخل حلقه.
حاول جسده الساكن أن يطور احتجاجه إلى ردود أفعال حدة، أن يجرها من شعرها أرضُا، يصفعها، يخنقها.

وبالكاد سيطر عليه إلا من فلتات بسيطة، كجذبته العصبية للكرسى، ثم اعتصاره لكوب الشاى بين قبضه، مما ادى لرقصة مستمرة لسطح الشاى المتموج.
- حبيبى، ماذا بك؟!
عظيم، من الممتاز أنها لا تزال تذكر لغة جسده، هذا يعنى ان تلك الجالسة أمامه، لا تزال تمت بصلة –ولو واهية- بالمرأة التى عرفها، وأحبها، وتزوجها.
-لا شئ.
هذه هى الإجابة الوحيدة المتاحة، عندما يعتمل صدر رجل بكل شئ،.
استطردت تتحدث عن الأولاد ومشاكلهم وإدارة المدرسة الخاصة النصابة التى ضاعفت المصروفات، بينما استغرق هو فى وادٍ آخر تمامًا.
إذ طفق يحاول كتم أنفاسه قدر الامكان، داخل قضبان هذا الصدر، فحتمًا رائحة الخيانة لا تزال تبعث منها، لقد رآها بالأمس فى انصهار محموم، اختلطت فيه الأذرع والسيقان، فحتمًا لا تزال زرع بعضًا من رائحته فى مسامها.
صب بعضًا من رشفات الشاى الساخن فى حلقه، عساها تسكّن شيئًا من لهيبه.
منذ شهر، وقف أمام تلامذته فى المحاضرة السنوية الوحيدة التى يخرج فيها عن المنهج، ويقول:
- إذا وضعنا على الميزان قيم مثل الحب والجمال والعدل، وأردنا أن نثمن أيهم القيمة الأهم قاطبة، فهى حتمًا العدل.
بالعدل قامت السموات والأرض، لكل من يملك القدرة على الملاحظة سيجد أن الامم العادلة ترتقى حتى لو كانت كافرة، حتى لو كانت تكرس لعداوة القيم الآخرى التى ذكرناها.
أنا هنا لا أتحدث فقط عن الدول، بل حتى على المستوى الأصغر من المنظومات، هيئة أو شركة أو مدرسة أو أسرة.
العدل هو صمام الأمان، أكثر ما يغيظينى في جيلكم هو تكراركم لكلمة سخيفة هى: (كله بالحب).
وتحت مظلة هذه الكلمة، تم زرع مبررات العشم ووغيره، بينما لو اعتتدنا بمبدأ (كله بالعدل)، لاستقام كل ما كان، وما سيكون.
خان أستاذ الفلسفة أولًا، اعتبرها لحظة ضعف، ثم لم تلبث أن انزلقت به لتصير ساعات، وسنون.
حرص على إخفاء قرائن جريمته عنها، وتعويضها بأن يكون مثاليًا فى كل ما عدا ذلك، فاكتشف أن للقدر رأى آخر.
هل أحست بما طواه عنها، فقررت رد الصفعة؟
أم أنها لم تعرف، وما هى إلا تباديل وتوافيق القدر ..العادلة..
أستاذ الفلسفة داخله، يدعوه أن يدفن ما رآه داخل سريرته، البادئ أظلم، وما حدث هو العدل الذى طالما تشدق به، عليه إذن البدء بالتطهر من خطيئته الأول، وحتمًا سيجدها لاذت بالمثل، وينقذا ماضى مشترك يستحق العناء للحفاظ عليه.
أما الرجل الشرقى الساكن بين ضلوعه، فيظمأ لأن يطفأ ناره بالنار.
أراح كوب الشاى على المنضدة، وشبك كفيه ليجعلهما متكأ لجبته.
لهب وثلج.
بركان ونبع.
عاصفة ومطر.
ثم...سكون تام..
فى حقبة ماضية، احتاج الأمر إلى دابة أكلت عصا النبى سليمان، حتى أدركوا موته، أما اليوم، فقد فلم تستطع رأسه الخاوية من الحياة، أن تستمر على كفيه المضمومتين.
إذ اختل ميزانها، وسقطت.


(تمت)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"