الاثنين، 26 سبتمبر 2016

من رواية (الأمسية المظلمة) حلقة 3:

يحكيها/ مصطفى جميل:
شعور بالزهو يتملكك حينما يصبح عملك الأول محور حديث المجتمع حتى قبل أن يصدر!
يبدو أنه دوري الآن ولكن هل لنا بمشروب ساخن أولًا، ها هي ذي القهوة جاءت، شكرًا يا عم سيد!
سأقترح طريقة أفضل لسرد حكايتي، وهي أن أجعل بطل روايتي هو من يحدثنا، لذا سأتقمص دوره.
                                              
                                                 ******

المكان: جامعة المستقبل، كلية الآداب، قاعة الاحتفالات.
مناقشة رسالة الماجستير المقدمة من الطالب: مصطفى محمود.
الموضوع: السحر والتفكير الخرافي (دراسة ميدانية على قرية القرانطة بأسيوط).
أقف الآن على المنصة أرتشف نظرات الفرحة في وجوه الجميع، عدا وجه واحد، زوجتي.
ضايقتني نظرات العتاب في عينيها، والتي تصوبها نحوي باستمرار، بذلت مجهودًا جمًا كي أتجاهلها، وأبدأ بالحديث قائلًا:
- بينما أضع اللمسات الأخيرة على صفحات هذا البحث، يتبادر إلى ذهني جميع من ساعدوني في إنجازه منذ أن كان فكرة، إلى أن أصبح بالشكل الذي هو عليه الآن.
وأخص بالذكر زوجتي لما قدمته لي من تضحيات، بالإضافة لطرف آخر لطالما ساعدني وأمدني بما احتاجه من معلومات وتجارب ميدانية.
وهو ما سأبدأ بالحديث عنه الآن.
اعتمدت في إعداد البحث على أداة الملاحظة بالمشاركة، وقد اخترت إحدى قرى محافظة أسيوط (قرية القرانطة) لجعلها ميدان للدراسة، حيث تمتاز بشهرة واسعة في مجال الدجل والشعوذة، علاوة على أنها بلدتي التي أعرف أدق تفاصيلها.
تقوم دراستي على معايشه الواقع هناك، وقد اخترت إحدى الحالات لتكون منبع الدراسة، وهو الشيخ حماد، أو كما يلقبونه في القرية بـ.. ( أبي مُرَّة).
لما كانت عائلتي تتمتع بسمعة طيبة في البلدة، سهّل لي أحد الوسطاء موعد مع الشيخ حماد.
خمنت أنني لن ألتقِ رجلًا سهلًا، إذ من منطلق دراستي، أعرف ماذا تعني كلمة (أبي مرة)؟
وكيف أنها إحدى كنيات.. الشيطان!                                               
                                                ******
- شيخ حماد، طبعًا أنت تعلم لماذا أنا هنا؟
- دكتور مصطفى أو مصطفى فقط بدون ألقاب، أعلم أنك تسعى ببحثك هذا لهدم نظرية السحر والأعمال، لكن عندي اقتراح، إذا وافقت عليه ستغير وجهة نظرك تمامًا، وقد يتغير مستقبلك أيضًا.

نظرت إليه مبتسمًا، وقلت في نفسي: هل يعتقد أنني أحد مريديه حتى يخدعني بهذا الكلام، هيهات، هو لا يعلم من أنا!
-"إذن ما اقتراحك؟"
- يبدو أننا اتفقنا على أن تصغي لي، لكن لا يمكننا الحديث هنا، ليكن غدًا في الثانية عشر منتصف الليل.
ذهبت إلى منزل العائلة وكلي شوق لمعرفة ما سوف يحدث غدًا.
أحتاج إلى راحة في الوقت الحالي، سأخلد إلى النوم الآن، فالغد القادم سيكون طويلًا.
                                                ******
طال الليل بي بصحبة كوابيس مزعجة، ما بين حبل يلف حول رقبتي، وأطياف غريبة تحوم حول سريري، كل هذا جعلني أتمن
ى ظهور النهار سريعًا.
عبقري حقًا، من قال:
- ساعات الانتظار لا تمر.
تحاملت على نفسي، حتى حانت اللحظة التي أترقبها، أعددت مجموعة من الأوراق، ومسجل للصوت.
هممت بالذهاب إلى منزل الشيخ حماد، من هذا المنزل بدأت الأحداث، ولا أعلم –حتى الآن- متى ستنتهي.
طرقت الباب، صوت ضربات قلبي يكاد يدوي بأعلى من طرقات يدي.
ليس بسبب الخوف، وإنما هو توتر الإقدام على مغامرة جديدة.
فوجئت بالشيخ حمّاد بنفسه هو من يفتح الباب، ويستقبلني بابتسامة أقل ما توصف به؛ أنها مرعبة.
داخل منزل الشيخ حماد كل شيء يبدو غريبًا، المكان أشبه بمغارة منحوتة داخل الجبل، تنتشر على جدرانها شموع سوداء مشتعلة، وفي مكان عالٍ بأحد الأركان، يقف تمثال كبير منحوت من صخر أحمر ناري له جناحان مفرودان.
ووجهه بارز التقاطيع بعيون حمراء واسعة، فمه مفتوحٌ بابتسامة تحمل آلاف المعاني، بينما أعلى رأسه قرنان أسودان مدببان، وأمام التماثيل بركة دائرية مليئة بسائل يشبه الدم.
وخلفه نحت على الجدار نجمة تتوسطها رأس كبش، أما في وسط المكان فهناك منضدة كبيرة دائرية منحوتة من صخر أسود ومرسوم فوقها صليب مقلوب.
أفقت من شرودي على صوته، قائلًا:
- هل أعجبك المنزل؟
- نعم، طرازه غريب.
- سيكون لك مثله وأكثر إذا اتفقنا.
- اتفقنا على ماذا؟
- دكتور مصطفى، استمع مني، ثم سَل بعدها كما تشاء.
أنا أعلم عنك كل شيء منذ مولدك حتى هذه اللحظة، أعلم ولعك بكل ما هو غريب وغامض، أعلم سر تمسكك بدراسة السحر بالرغم من تحذير زوجتك باستمرار.
زوجتك التي اقترنت بها فقط لإرضاء والديك، أعلم أنك كنت تتمنى امرأة تشاركك أفكارك ومغامرتك، لا واحدة أقصى طموحها أن تعرف محتوى الحلقة القادمة من المسلسل.
أعلم أيضا أنك تحب الكتابة جدًا، وتنتظر الانتهاء من رسالتك لتبدأ في عملك الروائي الأول.
أصغيت لكل هذا، وأنا أنظر إليه كأنني مسلوب الإرادة، تصبب العرق مني بغزارة.. أكاد أجزم أنه يسمع دقات قلبي، يبدو أن المغامرة هذه المرة مختلفة؟!
أولًا: دعني أخبرك أنك المنتقي لهذه المهمة، أنت الشاهد الذي تم اختياره من بين ملايين.
ولكن ليس معنى ذلك أن ستقوم بها بدون مقابل، لنقل أنه سيتم تبادل منفعة بيني وبينك.
حين نطق آخر كلمة، عقبت مندفعًا:
- ماذا تقصد بأنني "الشاهد" المنتقى؟ وما الذي سأقدمه لك؟ ما هي المنفعة التي تكون بين دجال ورجل علم؟
حينها سمعت ضحكة أقل ما يقال عنها أنها ضحكة الشيطان ذاته.
شعرت ببرودة شديدة في الجو، ورجفة تسري في جسدي، ثم سمعته يتحدث قائلًا:
أولًا: أنا لست بدجال، أنا من سيغير حياتك.
ثانيا: أنت لست بـ (رجل علم)، ما زلت معيدًا، أي أنك –حتى الآن- تسمي طالب علم، أما إذا اتفقنا ستصبح رجل علم ومال ونفوذ وشهرة.
علينا التعاون سويًا، وسوف أبدأ أنا من طرفي بمنحك معلومات مهمة، تفيد بحثك.
معلومات لم يصل إليها أحد من قبل، وسوف تكون خارقة للعادة.
اتفقنا، ولكن بعدها لن تأخذ شيئا إلا بمقابل.
في هذه اللحظة ازداد غروري، إذن كان هو ساحر بحق، ويريد مساعدتي!
يبدو الموضوع أكثر متعة الآن.
- موافق.
- إذن اغلق عينيك واستمع لي جيدًا.
سأكذب لو لم أقل أن الرعب دب في قلبي حينها: لكنني نفذت كل ما يقول وأغمضت عينيّ، واستمعت لاستطرادته:
- جيد.. دكتور مصطفى، أولًا أنا لست بإنسان كامل، أنا جسد بشري فقط.
دوري ينتهي تمامًا ببدء الاتفاق معك، وسوف يقوم سيدي الأعظم باستكماله، سيحضر حالًا، هيئ نفسك جيدًا، ولا تتفوه بأي كلمة.
حين انتهى من كلمته شعرت بخوف رهيب، أكاد أجزم أن هناك بلل بين فخدي.
الجو شديد البرودة، أشعر بالأدخنة الشديدة من حولي، حاولت فتح عيني لكن هناك من أغلقهما رغمًا عني ليمنعني من الرؤية، وألجم لساني بقسوة ليمنعني حتى من الحديث.
ساد صمت رهيب، تخلله كلمات الشيخ حماد:
(بحق الأسماء النورانية، والأنوار المضيئة، والإيماءات والصفات البهية، والساعات الشمسية والقمرية، بحق كل مارد وجن وقرين، بحق كل خادم ومطيع وأمين.
بحقك سيدي أينما كنت، وأينما ذهبت.
بحقك يا أبا مُرَّة، نفذت مطلبك وكنت خادمك وأحضرت مرادك أحضر سيدي، فالكل في انتظارك).

                                           *******
(يتبع)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"