السبت، 27 أغسطس 2016

40 ساعة في القاهرة

أكره أعباء السفر.
بالنسبة للأعباء بمفهومها الفيزيائي، أستطعت حلها بالتخفف من الأمتعة، والاكتفاء بحقيبة كتف للترحالات القصيرة.
أما المشكلة المزمنة، فقد ظلت مع عبء العودة بكلام الكثير الذي تود قوله.
كانت 40 ساعة فترة قصيرة زمنًا، لكنها أعقد تأثيرًا من أسابيع.
خصوصًا أنني اعتدت أنني أمتحن يوم واحد في الأسبوع، فكنت أفضل الانتحار الذاتي
بالذهاب والعودة من أسوان إلى القاهرة في نفس اليوم.
اليوم لدي امتحانين متتاليين، مما سيضطرني للمبيت في القاهرة.
-يا لها من دهر طويل! هذه المرة سأضطر للمكوث مدة 40 ساعة في القاهرة، ومن يدري، قد أدمن هذه الفترات الطويلة، وأتجرأ يومًا على البقاء لـ 49 ساةعة مثلًا.
بمثل هذه الجملة استقبلت المسألة بتظارفي المعتاد.
كانت 40 ساعة سررت فيها كثيرًا جدًا، وغضبت قليلًا، لكن المحصلة في كل الأحوال، أنها سفرية لم تخلو من لفتات لن أنساها أبدًا.
على سبيل المثال؛ تصدر قائمة أحلامي؛ أن أحضر حفل مباشر لفريق (عمدان النور)، وهي مسألة على قدر يسرها بالنسبة لأهل المدن الكبرى، فهي شبه مستحيلة بالنسبة لأحد أبناء محافظة حدودية.
بالمصادفة أخبرني صديقي عن مهرجان (القلعة) للغناء، ومنحني جدول البرنامج، فمددت أصبعي أتتبع الفقرات الموافقة للمساء اليتيم الذي سأتواجد فيه، وللمفاجأة وجدت (لؤي) و.. (عمدان النور).
مثل هذه الصدف الغريبة ستجعلني أتساءل: أمعقول أنني صافي النية إلى هذا الحد!
استمتعت بكل لحظة من غنائهم، وأعجبني آداء (يحيى نديم) بالذات، كما أدهشتنى معلومة قالها مرافقي أن الثلاثة أشقاء أصلًا.
تذكرت -فجأة- امتحان الغد، لأدخل في مشهد عبثي للؤي وهو يغني على المسرح، بينما تجري عيناي على سطور مذكرة (الترجمة الإعلامية).
يوما 23 و24 أغسطس لم تتوقف دراميتها عند هذا الحد.
ففيهن ذهبت إلى المطبعة، واستلمت العدد الجديد من (لأبعد مدى)، بالإضافة إلى الاتفاق على مشروع آخر مبهج، أهذا هو أغسطس الذين يرمونه بالكئابة وطول الأمد؟
كيف وقد حظيت بلقاء كتيبة من الأصدقاء والجدد!
أحمد مسعد، بل أحمدان مسعدان.
هذه المرة الوحيدة التي لا أحتاج فيها كلمات كثيرة لتقديم طرفين إلى بعضهما، بل كفاني الفصل بينهم بسيف يدي كما يفعل حكم الجودو، ثم نطقت الاسم مرة واحدة.
كانا يملكان فرصة مسبقة عن بعضهما لحسن الحظ، فكلما أراد شخص الإشارة لأحدهما عبر الفيس، في 10% يخطيء وتصل الإشارة للآخر.
محمد موسى.. الطبيب والأديب والفيسلوف.
لم يكن يحب الموسيقى، وجاء على ضمانتي الشخصية، فأسعدني أنني ربحت الرهان، بل وأعجبه (يحيى) مثلي، لدرجة أن قال الجملة التي اختصرت كل شيء:
- ذاك الذي في المنتصف، يفترض أن يحصل على أجر يساوي مجموع ما يتقاضاه الآخران. 
في عصاري اليوم التالي، تغير المكان من القلعة إلى النادي الإيطالي، وتبدلت الوجوه بأصدقاء أعزاء جدد:
محمد فؤاد.. الذي اقتطع من وقت دروس الثانوية العامة، وجاء خصيصًا من مدينة نصر.
ثم شلة الرفاق القدامى:
بنت البلد الجدعة: فاطمة ماضي. 
المهندس العميق: أحمد سعيد. 
صاحبة الاسم الذي نالها كثيرًا من مسماه: ابتسام أبو دهب. 
ثم.. أحمد محمدي.. الذي كنت متضايقًا منه لموقف عابر سابق، فأخبرته أنه سامحته، و... بشششششتتت.
عدت للتضايق منه فور خروج الكلمة من فمي، لأنني وجدته شرق المياه التي كان يشربها، من فرط الضحك!
ماذا هناك؟ ما المضحك في إخباري لشخص أنني سامحته؟
صارحني بأن السر في (آدائي)، أعترف أنني كنت متأثر، وأعلم جيدًا كم أبدو مسرحيًا ومفتعلًا عندما أتأثر.
ما علينا.
هرولت للحاق بقطار السادسة مساءً، وأنا لا زلت أعاني مما حدث في صباح نفس اليوم؛ فكل امتحان أدخله، أفكر في التقدير الذي سأناله عن المادة؟ هل (جيد) أو (جيد جدًا).. أم لعله (امتياز).
في آخر امتحان، خرجت وأنا أكاد أشك أنني سأنجح أصلًا.
فقد انضمت إلينا زميلة قبل الامتحان بعشرة دقائق، وأبدت تعجبها من الملزمة القديمة التي نراجع فيها، لأن الدكتور الجديد لغاها فى محاضرة الترم الصيفي اليتيمة، وقرر بدلًا منها واحدة مختلفة تمامًا.
تخيل أن تدخل للامتحان في مقرر مختلف تمامًا، والأسوأ أنك عملت ذلك قبلها بعشر دقائق لا أكثر، من حسن الحظ أنني لم استسلم تمامًا لحالة الغضب لدرجة اللامبالاة، فاستأذنت الزميلة فى قراءة المذكرة الجديدة.
مجرد قراءة سريعة، علمت مدى فائدتها بالداخل، عندما وجدتني أتذكر منها أشياء مفيدة.
وهو لأمر عجيب إذا وضعته إلى جوار الزهايمر الأسطوري الخاص بي.
الحمد لله.
لو أن هذه هي ضريبة الدقائق الطيبة التي قضيتها، فأنا أراها صفقة عادلة ومرضية تمامًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"