الاثنين، 29 فبراير 2016

صعيدي فى الجامعة الأمريكية جـ 2


بالأمس، اقتنصت من عمرى زيارة خاطفة للقاهرة مدتها 10 ساعة بالضبط، نظرت لتذكرة القطار حتى أتأكد من اليوم.. 28 فبراير.. أعتقد أنه تاريخ يستحق أن أدونه جانبًا، وأتذكره بين قوسين ما حييت.
بالأمس، قلت للجميع تقريبًا:
- خير اللهم اجعله خيرًا، أشعر أنني في انتظار مصيبة قادمة لا ريب، محال أن أحصل على كل هذه البهجة فى يوم واحد، دونما ضريبة.

بالأمس، تجرعت عشرات من لحظات السعادة هذه، لحظات وددت خلالها لو أهلل بصوت عال، أو أضرب الأرض بقدمي كطفل، لكن للأسف، أكدت لي والدتي أكثر من مرة أنني كبرت، لذلك؛ قررت أقله أن أكتب عن الأمس.. وعنهم.

                                        *********

قبل استقراره في مجال التمثيل حاليًا، غادر ديف باتيستا عالم المصارعة، واتّجه بشكل مفاجئ إلى الفنون القتالية المختلطة MMA، للأسف، لم يفق من السكرة إلا متأخرًا.
بعد أن عاش حياته المهنية بالكامل داخل حلبة مربعة تحدّها الحبال، وجدهم يغلقون عليه سور شبكي ثماني الأضلاع (الأوكتاجون)!
نظر لنفسه، ثم للخصم، ثم لجدران حلبة الـ MMA، ثم قال:
 
-   -  ماذا أفعل هنا بحق الجحيم!
نفس الحالة راودتني مرتين بالأمس، الأولى على محطة القطار، والثانية عندما ناولت بطاقتي لأمن الجامعة الأمريكية، وقدمت نفسي بـ:
-  - ياسين أحمد.. مشروع (تشبيك).. مدرج 110..
تظاهرت بأنني لم ألحظ نظراته المريبة.. ألأنني صعيدي! لست الأول على أي حال، محمد هنيدي تواجد هنا قبلي منذ عهد بعيد.
-أين المدرج بالمناسبة؟
-إلى الأمام.. ثم أول يسار، بجوار الكافتيـ.. أو لأخبرك.. –نادى بصوت عال- يا منعمممم.. أأنت متجه إلى الداخل؟ دلّه على 110 فى طريقك لو تكرمت.
وجدتها لحظة مناسبة لأن أنفض غبارًا وهميًا من فوق كتف الجلباب، ثم تلفتت إلى الطلبة حولي متبايني الألوان والأزياء والجنسيات، بينما أتبع عم منعم. 
كررت فى سري للمرة الثانية:
-     - ماذا أفعل هنا بحق الجحيم! ماذا أفعل!

 ************
قررت أن أبدًا بالأسوأ، فتحدثت عن لحظتيّ الاغتراب يتيمتين، وسط 10 ساعات بنكهة هرمون السيروتونين، أو (هرمون السعادة) كما يلقبونه.
بدأ اليوم بكلمة (بني سويف) التي ترددت حولي في جنبات القطار، فانتشلت جمجمتي من تأرجحها العالق بين النعاس- اليقظة.
دعكت وجهي مرتين، القطار مستمر في التهام المسافات، وبنظرة من النافذة، تأكدت أننا تجاوزنا بني سويف بالفعل.
قررت تزجية الوقت بمراجعة الهاتف، فوجدت أول ما وجدت؛ رسالة نصية قصيرة من زميل الجامعة (محمد نصر)، تقول:
- مبروك النجاح يا (...).
أعتذر عن ذكر عن اسمي المتداول بين رفاق الجامعة، مضطر للتنحي عن هذه النقطة لاستشعاري الحرج.
إذن نجحت فى الترم، أحمد الله فى كل الأحوال، لكن... المهم؛ معرفة النتيجة بالتفصيل، هل خسف الدكاترة تقديراتنا كالعادة!
أجلت بحث الأسئلة السابقة، وركزت -فقط- فى اليوم الذي بدأ صحوًا منذ ساعاته الأولى.
فى العاشرة قابلت التقيت (عبد الرحمن أبو الفتوح).. زميل مجتهد تشاركنا سابقًا من قبل دورة تدريبية للكتابة ببيت السناري، ويعمل حاليًا بموقع (ساسة بوست).
مجرد رؤيته أعادت لي ذكرى الأيام الخوالي، عيلاء.. محمود.. شادي.. عسل.. فضلًا عن د.بهاء عبد المجيد مدرب الورشة حينذاك. 
في الحادية عشرة انضم إلينا (أحمد مُسعد) أصغر عضو فى مبادرة (لأبعد مدى)، إلا أن هذا لم يمنعه أن من يكون أحد أعمدتها الأساسية.
جهرت له للمرة الألف بأن ابتسامته بلهاء تستفزني، ومع ذلك، لا أنكر أنه كاتب مجتهد بالنسبة لسنه، وأنه حاليًا دينامو المبادرة على الأرض.
انصرف عبده لأكمل ومسعد جولتنا الحرة، أعتقد أنني لم أشعر بساقي من كثرة المشي، فكان لابد من وفقة لاستعادة الطاقة.
تناولنا الغداء عند (أبو طارق) بشارع شامبليون، ثم أفلتت مني نظرة إلى الساعة  فوجدتها الثانية بالضبط.
جاء الوقت لتذكر عنوان الجامعة، أين كان الشارع بالضبط؟ 
آه.. كيف أنسى الإكليشيه الشهير حول: الإخوان باعونا فى ...
- ش محمد محمود لو سمحت؟
دلني صاحب المتجر، حتي وقفت أمام أسوار الجرافيتي الشهيرة، فتبقى أمامي -فقط- معرفة مكان البوابة.
هناك فوجئت بأغرب سؤال أتصور أن يوجه لي فى حياتى.
كنت البادئ عندما استفسرت من الفتاة حول مكان البوابة، فقالت لي أنها تائهة مثلى، فلنبحث عن ثالث يدلنا معًا، وبعد أن حصلنا على الوصفة، سرنا متحازيين لألمح سؤال متردد في عينيها.
أومأت مشجعًا، فقالت:
- أأنت مصري؟
بعد تجاوزت صدمة السؤال الأولى، أعدت النظر لنفسي بموضوعية، فوجدت أن لديها حق.
بشرة سمراء + وشاح فلسطيني + جلباب سعودي!
فكرت في منحها ردًا مرحًا على غرار: (بل أنتمي للبدو الرحالة.. ليس لي وطن)، ثم وجدت أن متوتر مما هو قادم، المقابلة الشخصية/ المشروع/ بل تصوروا أنهم سيسألونني عن الحوار وقبول الآخر، هذا مستفز في حد ذاته!
جميع ما سبق لم يترك لي الرحابة الكافية، فوجدتني أرد بجدية:
- نعم، يُفترض أننى مصري.

                                      ************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"