الجمعة، 11 ديسمبر 2015

مشاهد ووجوه من مؤتمر أدباء مصر (أسوان- 2015)


تأملت باستماع الهابطين تباعًا من الحافلة، متجهين نحوى إلى بهو قصر الثقافة.
ربطات عنق كلاسيك.. قبعات من تلك التى ترتبط فى ذهنى بالماركسيين فى الأفلام..  يفترض أن هؤلاء هم نخبة مجال الكتابة الذى أهواه، ومع ذلك أعجز عن تعرف وجه واحد منهم!
حتى لو كان جهلى الجم هو بطل المشهد، وجدتها مفارقة جديرة بالابتسام على أى حال.
انزاح الزحام عن مترجل أخير من الحافلة، وجه مألوف هذه المرة، مما انتزع منى تلويحة ود.
سامح فايز، الزميل العتيد، والصحفى بجريدة (القاهرة) الثقافية.
=
- لماذا تشعروننى وكأن لسان حالكم: (كلما سمعت كلمة "ناقد"، تحسست مسدسى).
بصدق، أجبته وسامح؛ أن ما يقوله دقيق بالفعل، وما أنت إلا استثناء لا القاعدة.
اسمه د.(حمادة هزاع)، ناقد عزيز، مع أننى أصلًا أتعجب من مجرد تسلل هذه التركيبة اللغوية إلى لسانى، (ناقد + عزيز).


د.حمادة حاصل على الدكتوراة فى النقد الأدبى، عن رسالة بعنوان (الخيال العلمى بين النظرية والتطبيق).
لقاءنا السابق، جاء على هامش خلفية تخص هذه الأرضية المشتركة، الخيال العلمى.
وكنت كعادتى على درجة من التحفز تصل لقلة الذوق، استقبلها هو بقدر وافر من رحابة الصدر، حتى وصلنا لهذه المرحلة حاليًا، ليكون أول ثلاثة لم آتى المؤتمر إلا لأجلهم.
لم أتخيل فى حياتى أن أجلس مع ناقد، مثلما يتحدث باجلال عن الكبار، يذكر بكل حماس جيلى، فلا يخلو كلامه من إبداء الإعجاب بـ أحمد فريد وما قرأه له فى (رأيت الجنة) من خيال علمى إنسانى، وياسر أبو الحسب ببصمته فى الخيال العلمى الصعب، أكرم إمام (رزويل+ ديسمبر)، وروح كتابات فاطمة على ماضى مع تحفظه على ملاحظات معينة لديك يا فاطمة. ‏‎
استقبلت هذا الجزء من المناقشة بكل ابتهاج الدنيا، بما معناه (طب ما حنا جامدين قوى أهو، وشغلنا بيعجب "الأكاديميين" نفسهم).

(مع حفظ الألقاب)
حمادة هزاع..سيد بحراوى..مدحت الجيار..هيثم الحاج على..محمد الضبع..منى ماهر..
تكمن المشكلة فى أن الأسماء السابقة هى الاستثناء لا القاعدة، وما كانت لتوجد تلك الفجوة الشاسعة بين جيلنا والأكاديمين إلا لكونهم قلة.
أول مرة أكون محظوظًا وألتقى الأديب (يوسف فاخورى)، أحد أساطير السرد فى محافظتى.
والثانية التى أقابل فيها أسطورة أخرى موازية وعزيزة هو (أحمد أبو خنجير)، ومن جيلى (أحمد علاء الدين)، و(تيسير النجار).
ومع أن جميع الأسماء السابقة من أسوان، صدقوا أو لا تصدقوا، لا ألتقيهم إلا مرة او اثنين فى العام.
بسبب هذا المؤتمر وبعد التفاصيل الأخرى، سأفكر فى البعد عن حياة الشرنقة، التى تسرقنى داخلها.
=
(سامح فايز) مرة أخرى.
كلمة حق لابد أن أقولها فى حق هذا الرجل.
أولًا: على قدر ما أثق فيه مهنيًا كصحفي، وإنسانيًا كشخص جدع (دوغرى)، على قدر ما أختلف معه فكريًا، لذلك توجست عندما يقطع كلامه فجأة، ويشير لشخص بعينه وسط عالم المؤتمر الذى يموج حولنا:
-هذا فلان الفلانى؟ أستاذ مبدع وفى منتهى الخلق والذوق، لا تعرفه؟ تعال أعرفك عليه.
المشكلة تكمن فى عدم ثقتى فى مفهوم سامح حول كلمة (الخلق)، هل يعنيها على مذهبنا العادى، أم المذهب البوذى!
مدين لسامح باعتذار، لأن توجسى كان فى غير محله بالمرة، وكلها شخصيات أكثر من رائعة، امتننت للقاءها حتى لو لدقائق قليلة، شكرًا سامح.
الموقف الثانى:
ظهرت عدة مواقف معتادة خاصة بسوء التنظيم، وتارة أخرى متعلقة بسلوك الحضور، الذين يفترض أنهم نخبة النخبة، إنها اللمسة أو (الطاطش) المصرى الذى لابد أن يظهر ليفسد العزف، مهما سار  بانسجام بنسبة كبيرة.
فى الحالتين تحسس سامح الكاميرا، وبعد لحظات تردد، يأد الفكرة كل مرة، ويعيد الكاميرا مكانها.
قلت له (بنتهازية الصحفى، التى أمتلك شطرًا منها بحكم دراستى) ، أن هذا حقك، إذا كان صاحب التقصير لم يتحرج من ارتكابه، فلماذا يتوجب عليك أنت -كصحفى- التحرج من توثيقه؟
رفض سامح بدعوى أن هذا سيتسبب أضرار عامة أضعاف أضعاف المكاسب الشخصى.

معلومات على هامش المؤتمر، أكدها لى الزميل سامح ود.حمادة:
- سمى المؤتمر قديمًا (أدباء مصر فى الأقاليم)، ثم تم حذف آخر كلمتين، لأنهما ضايقا مبدعى المحافظات، وأشعروهم بالتمييز الجغرافى.
- أسست قناة النيل الثقافية بالأمس استجابة لتوصيات المؤتمر، واليوم، كاميرات القناة غير موجودة لتغطية المؤتمر الذى كانًا سببًا أساسيًا فى إنشاءها.
- كما يروى سامح، أثناء أحد التحركات داخل الفندق، وقف د.أبو الفضل بدران فى الطابور مثله مثل غيره، ورفض من تقدموا إليه من الطاقم الإدارى المنظم، يقولون أن هذا لا يصح، وأنه رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة.
-يضيف سامح حكاية أخرى، حدثت فى مكتبة (درة النيل)، حيث عقدت بها ندوة حول (المؤسسات الثقافية بين الحكومية والمستقلة).
يديرها المفكر والسيناريست المعروف (محمد السيد عيد)، مؤلف مسلسلات (قاسم إمين) و(مشرفة).
الحضور:
قليل من المثقفين، وأكملوا الفراغ بحشر باقة من طلبة مدرسة تجارية.
هذه الندوة تجسد فكرة مقتنع بها،  بأن الجيل السابق يحب أن يسمع فيها نفسه، فماذا لو جرب أن يمنح أذنه الطرف الآخر.
شخض برقى السيد عيد أقدم على هذه الخطوة، وسأل الطلبة:
- أهناك يا أولاد من يقرأ؟
(صمت).
-أهناك من لديه موهبة أدبية ما؟
(صمت)
لسبب ما، احتفظ عيد بالأمل، وظل يلح نحو عشر دقائق، حتى تجرأت إحدى الطالبات، وقالت أنها تقرض الشعر.
وكأن هذه المبادرة أول الغيث فقط، فقد انتقلت العدوى لزملائها، وأبهروا الحضور بمستوى غير متوقع من التألق.
لاحظوا أن هذه عينة عشوائية من طلبة أحد المدارس بأسوان، تم إحضارهم بدون انتقاء أو إعداد مسبق، وحدث فجأة أن وجدوا من يطلب سماعهم، فما بالك بالموجودين فى كل مكان؟
أترك لكم التخيل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"