الجمعة، 6 نوفمبر 2015

كائن (الأبعد مدى) فى منتدى (الإسكندرية) للإعلام


(منتدى الإسكندرية للإعلام).
الترحالة الثالثة لى خارج أسوان فى 2015م، إلا أنها الأولى الذى توجهنى -كالمغناطيس- إلى لوحة مفاتيحى، كى أكتب عنها، وعندما فعلت، كنت أقوم بذلك ببطء شديد، أريد إبقاء هذه المتعة لأطول فترة ممكنة.
كل الفاعليات السابقة، كنت أعود منها بشحنة إيجابية كثيرة، مع قليل من الشوائب، بسبب الأخيرة بالتحديد، أرجئ أى تسجيل انطباعات حولها إلى أجل غير مسمى، هو نوع من منح النفس وقتًا لاستعادة التوزان، كى لا تتسلل حساسيتى للسلبيات إلى السطور.
قد تسألوننى: ما المختلف فى (منتدى اسكندرية للاعلام) بالذات، كى تقول عنه ذلك؟
لا أعرف، لقد خرجت بانطباع واحد عام، هو حب كل شئ، وقديمًا، تعلمت أن محاولة ”تفصيص“ مسببات الحب، يفسده.
بدأ كل شئ برسالة إلكترونية على بريدى، استهلتها ديباجة
"كل عام وأنتم... بمناسبة اقتراب....الأضحى المبارك أعادة....الخير والـ..
يود فـ... منتدى الاسكندرية...اختيـ.. للمشاركة ضمن....المزمع...الفترة...2015.
وصل للمنتدى هذا....421 استمارة اشتراك وقامت لجنة الـ..اختياركم الـ...طبقاً للمعايير الدولية الـ..."
بالطبع لم يكن المحتوى بهذا الشكل المتقطع، كل ما هنالك أننى قرأتها فور استيقاظى فى السابعة صباحًا، وتعلمون بالتأكيد كم العمى/العته/بطء الفهم، الذى ينتاب المرء حينها!
قررت أن أغسل وجهى أولًا، ثم أعاود للقراءة نظرًا لأنه كلام مهم على ما يبدو.
تكمن أهمية ذاك الحدث، بأنه غسل عيناى هو الآخر بضوء مختلف، ضوء التعرف على عشرات الخبرات والتجارب والأشخاص.
نحو 30 مشترك، بـ 30 حلم يمشى على قدمين.

من أين أبدأ؟ وبمن أبدأ؟
الذكريات تضطرم فى بعضها، فأعجز عن اصطياد خيط معين لأستهل به.
ربما فكرة جيدة أن أبدأ، بالأخوة العرب، مع الأخذ فى الاعتبار الترتيب الزمنى لتعرفى بهم، خلال مجريات المنتدى.
قادم من أقاصى الجنوب بعد 14 ساعة سفر، تائه فى خضم فاعلية لا أعرف أو يعرفنى فيها أحد.
لذلك، منطقى أن أميل للبدء -بالغريزة- بمن تربطنى به أكثر عوامل ظاهرية متشابهة سواء؛ جلباب أبيض/لهجة/ وحتى سُمرة.
(1)
(كيفك يا زول)
هو الطيبة مجسدة فى هيئة شخص، عندما كنت أنظر إليه، أشعر وكأننى لم أغادر أسوان، نفس السمت الباسم الهادئ.
يمثل حسن عثمان كوكتيل من الحراك فى أكثر من إتجاه، فهو رائد أعمال، ومدوّن، فضلًا عن كونه مدرب معتمد فى الإعلام المجتمعى،  حسن مهموم بشكل خاص بتطوير المحتوى العربى على الانترنت، آخر تعاطياته مع هذا الاتجاه، تمثل فى مشروع (سودابيديا)، وهو مشروع أشبه بوكبيديا إقليمية تغذى القطر السودانى الشقيق.
حسن + سفيان
(2)
فى مثل هذه الفاعليات، يراك الجميع كل صباح وأنت تهبط إلى بهو الفندق، محافظًا على حد أدنى من التأنق.
واحد فقط، تتاح له الفرصة أن يراك فى صورتك الخام منذ تستيقظ بشعر منكوش، وعيون لا تريان من العمص، ثم تتنقل فى الغرفة بالشورت والفانلة.
هذا الشخص هو شريك غرفتك بالطبع، مما يذيب بينكما الكثير من الحواجز، أكثر من أى شخص آخر.
سعدت عندما قيل لى أن هذا الشريك الذى سينضم إليّ غير مصرى.
فرصة للتعرف على ثقافة أخرى.
-ياسين أحمد.
-سفيان السعودى.
-ثانية واحدة، ألم تقل منذ قليل أنك مغربى الجنسية؟
بهذه الدعابة المتحذلقة، بدأ يومان من المرح، بين شريكى غرفة، أحدهما أمازيغى من المغرب، والآخر صعيدى من مصر.
صابرين+فريج
(3)
الثانى فى ترتيب من تعرفت بهم من رفاق المنتدى: محمد فريج.
وأرجوكم شددوا على (الجيم المعطشة)، لأسباب سأخبركم بها لاحقًا.
كنت قد أنهيت لتوى الحديث مع حسن، ليلفت نظرى ذاك الآخر الممسك بالكاميرا، ويتلقط الصور محتميًا بالباب الزجاجى للفندق.
آه، لم أخبركم عن الطقس حينها، مع أن الجو صحو، وأغلبنا يرتدى زيًا صيفيًا دون تأثر، كانت الأمطار تغرق الشارع، بسبب سوء شبكة الصرف، نفس الأمطار التى سيصلنا بسببها خبر إقالة المحافظ  بعد سويعات، وستتكرر بعد المنتدى لنرى فى التلفاز كم الكوارث التى أدت إليه.
تشاغلت وفريج عن الفيضان فى الخارج، بأن تعارفنا وأرانى الصور التى التقطها، بالمناسبة هو مصور ذو عين جيدة.
ينطلق صوت فريج إذاعيًا منذ عام 2008م عبر منصة أثير راديو (البلد).
فتح لى الصديق صدره، ليتحدث بحماس عن أفكارهم فى توثيق علاقتهم بالجمهور، لاحظوا كوننا فى عصر الصورة، هذا يصعّب حياة كل الوسائط الأخرى بأنواعها، ويجعلها تعيش صراع وجود.
فريج أحد الأقرب لقلبى ممن خرجت بهم من المنتدى، شئ ما فيه يشعرنى أننا متشابهان، ربما طريقته فى الضغط على مخارج الحروف، ربما العفوية الممتزجة بطابع حماسى، مع أنه من هذه الجهة، أكثر منى حماسًا وثورية بكثير، جربت أن أدخل مدونته فشعرت بالخضة.
أو لحظة.. هناك احتمالات حاضرة بقوة أن يكون السبب كالعادة هو..الجيم المعطشة.
(4) 
(المعادن لا تضئ)، هذه أحد الحقائق التى ترسبت داخل عقلى، وتعاملت معها بمرور الوقت على أحد ثوابت الحياة.
حتى قابلت (صابرين طه)، هى أول من جعلنى أعيد نظر فيما سبق.
صابرين بقدر ما تشع حولها من هالة، بقدر ما هى كيان صلب قوى، أو اختصار والقول مباشرة أنها "امرأة من فلسطين".
تعمل صابرين فى مكتب وكالة رويترز بالقدس الشريف، وبالتوازى، لديها فكرة مشروع جميل وذو خصوصية يتعلق بتوثيق الـ.. لن أحرق تفاصيل.
فرح + أنس
(5)
أخبرتنى فرح أننى أتكلم بسرعة جدًا، فلم تفهم أغلب ما قلته.
وحتى الآن لا أعرف، هل المشكلة فى طبيعتى الشخصية المندفعة، أم أن اللهجة الصعيدية صعبة على أذن اللبنانيين عمومًا.
توقفت الشوكة والسكين فى يد أنس، لأجده يتدخل بفصحى مضحكة يحاكى بها المترجمية الفوريين، يقول لفرح:
- يسألك عن ....تقول لك فرح....يجيبك ياسين أن...
سابقًا، قدّم لنا مدير المنتدى فرح، بقوله:
- فى العادة، نرى الإعلام هو من يتجه إلى مؤسسات المجتمع المدنى كى يعكس أخبارها، فرح من النادرين الذين قطعوا الطريق فى الاتجاه العكسى، هى تمارس الإعلام قادمة من أروقة المجتمع المدنى، لتعبر عنه، منه.
تدير فرح موقع إلكترونى، تتصدره هذه الرؤية، فيناقش القضايا الاجتماعية للداخل اللبنانى، ويعرض للحالات الإنسانية تستدعى التكاتف.
(يشحتوا عليهم يعنى).
هذا لست أنا بالطبع، إنه أنس مستمر بدوره المداعب فى الترجمة فى الفورية.
وامتنانًا له على تعبه معى، أجدها فرصة لأن أنتقل إلى الحديث عنه.
بدأ أنس ضمرة الحديث، بشرح أهمية مجال عمله، قائلًا:
-"قامت ثورات الربيع العربى تحت لافتة المطالبة بالتغيير السياسي، لكن لو نظرنا إلى المطالب، سنجد أن 80% منها مطالب اقتصادية".
أسس أنس أول موقع إلكترونى فى الأردن، يتخصص فى الصحافة الإقتصادية، هو http://www.economy.jo/.
وعن جذوره، قدم لنا أنس نفسه بأنه فلسطينى/أردنى، وهذا أعادنى إلى إشكالية قديمة لطالما شغلتنى،
الحدود أم النسب؟ أيهما يفصل أو يربط بين الدول؟
الضفة الغربية نفسها ظلت مدة طويلة تحت الحكم الأردنى، كما يوجد هاشميين نصف عائلاتهم فى الأردن، والنصف الآخر فى السعودية، كما أن هناك قبائل موزعة بين رفح الفلسطينية والأخرى المصرية، وفعليًا كان ما يفصل بينهما أشبه بالشارع.
ولم نذهب بعيدًا، عندنا فى أسوان، تمتد حضارة جيراننا النوبيين إلى يقع ضمن حدود السودان حاليًا، بعد أن صار هناك (مصر) و(سودان) باعتبارهم منفصلين.
ولا تزال المعابد النوبية هناك تذكر بهذا الماضى التليد.
(6)
يسوق إعلامنا الداخلى أن أمامنا اختيار من اثنين:
- الأمن ووحدة الحدود التى نعترف بأن الأنظمة الاستبدادية تنجح فى توفيرهما، والمقابل: تنازلنا التام عن الحريات، والعدالة، على أمل أن تتحسن ببطء على المدى الطويل.
أما الاختيار الثانى:
-اقتناص الحرية، مع تحول الدولة إلى الفوضى والتشظى التام، مع غياب أى قوى معتدلة جاهزة لملأ الفراغ، الوحيد الجاهز هو جماعات أصولية وعرقية مسلحة.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الإجابة: تونس.
دائمًا ما كانت الإجابة هى (تونس)، بما تقدمه من اختيار ثالث يحرج النظرية السابقة.
لسنا ها هنا نقارننا مع دولة أوربية أو عالم أول، بل هى قطر عربى شقيق، خرج من من نفس الربيع العربى، بل هو من صدّره.
ومع ذلك، يقدمون أنفسهم بما معناه: ها نحن، امتلكنا تحولًا هادئًا فى تداول السلطة، ومجتمع مدنى حائز على جائزة نوبل للسلام، لوساطته فى هذا التحول.
حتى فى مجال الإعلام، الذى هو تخصص المنتدى بالأساس، تأكد لنا أن الإجابة أيضًا تظل تونس.
تأكدت من ذلك، عبر ما استمعت إليه من (أميرة) و(فاتن)، ممثلتا (الخضراء) فى المنتدى.
مع فاتن، وتظل الإجابة تونس
منهما عرفت لأول مرة، بالقانون التونسى الجديد، والذى سيؤهلها -بحسب تنبؤ المدير التنفيذى للمنتدى- لريادة المجال الإذاعى عربيًا.
يفتح القانون الباب أمام من يرغب فى إنشاء إذاعة محلية داخل حيه أو مدينته على نطاق 7: 20 كليومتر.
تخيلوا كم الأصوات التى سيفسح لها براح عبر الأثير، عبر تشريع بهذا الشكل.
تبقى المشكلة الرئيسية الحالية، كما تشرح (أميرة) فى تدبير هذه الكيانات لموارد مالية، خصوصًا أن سوق (الإشهار) ضعيف.
بالطبع سألت عن معنى الكلمة الأخيرة، لاكتشفت أنهم يستعملونها كمرادف لمصطلح (الإعلان).
(7)
عندما رأيته لأول مرة، تساءلت:
- فيم اهتمام (الشاب خالد)، بحضور منتدى للإعلام؟
اكتشفت لاحقًا، أنه ليس المطرب الجزائرى الشهير بالطبع، مع أنه نفس السمرة، الابتسامة، بل نفس الشارب أيضًا.
استقبل يدى الممدودة بشدة مرحبة، قبل أن يرد:
- وأنا محمد، من موريتانيا، تحديدًا من (نواكشوط) العاصمة.
ابتسمت مع لكنته ذات طابع المغرب العربى المحبب، رغم صعوبته، ثم انتبهت لنقطة:
- لكن أليست (مقدشيو) هى العاصمة عندكم؟!
- كلا، (مقدشيو) عاصمة الصومال.
هكذا أجاب ببساطة وتسامح مع بدر منى من جهل فج، من ناحيتى، حمدت الله أن المنتدى اختار مطعم (أبو السيد) للعشاء، ليس لأنه يقدم صنوفًا جاحدة من الطعام، هذا سبب أساسى بالتأكيد، لكن الأهم بالنسبة لى فى تلك اللحظة، أن مقره يعتمد على إضاءة خافتة، مما سترعلى حمرة الحرج التى تضرج به وجهى حينها.
قررت أن أخرس تمامًا، درءًا للمزيد من الفضائح، واكتفى بالاستماع فحسب.
-مشروعى الإعلامى يأخذ شكل إلكترونى معارض، وللأسف، هذا يعرضنا للكثير من المضايقات الحكومية،  ليس أقلها أنهم حجبوا عنا موارد كالإعلانات، والشئ الوحيد الذى أعاننى على الاستمرار، أننى أعمل بوظيفة مستقرة خارج الإعلام.
ذكرنى ما يقوله بنفسى، ليس من ناحية المعارضة حاشا لله، بل من المعادلة المعضلة المعتادة التى خبرتها جيدًا، وتتلخص فى أن:
- التفرغ للإعلام سيجعلك تسير رحلة طويلة على أرضية غير ثابتة، وقابل لأن يلوى أى طرف ذراعك لتقدم أعمال استهلاكية لا تعبر عنك، ولا يوجد حل آخر، لأن هذا هو مورد رزقك الوحيد.
البديل، أن تكون لديك وظيفة ثابتة، وتمارس الإعلام كعمل تطوعى غير ربحى، هنا
ستمتلك ترف الاختيار، والتعامل من طرف أنفك مع كل ما لا يناسبك.
لكن سيظل العيب الوحيد فى هذه الحالة، أن وجود الإعلام فى حياتك كرقم 2، ستكون أن بدورك بالنسبة له رقم 2، ويستحيل أن تجارى زميلك الذى أحرق كل مراكبه، ورهن بكل شئ فى حياته، على المجال.
أكرر: يستحيل.
انتبهت لنقطة غريبة فيما قاله محمد:
- أأقصى ما لديهم أن هو التضييق  وحجب الإعلانات! ما هذه الديكتاتورية  (السيس) التى توجد لديكم، ما أعرفه فى هذه الحالات أن الأنظمة تكون أكثر حسمًا من ذلك بكثير، فيقوموا بغلق الموقع مثلًا، أو اعتقالك شخصيًا حتى، عفوًا، لا أتمنى ذلك ذلك بالتأكيد، أنا أستغرب فحسب من مخالفة ما تقوله، للمعتاد الذى أعرفه.
قادنى ذلك لأن أسأله عن طبيعة الحكم عندهم، إذ انتبهت أننى على جهل تام بهذا الشق، من نافذة العرب المطلة على الأطلسى.
فشرح لى نفس التلقائية المحببة أنها؛ تخضع لنظام سلطوى مستبد، يحتل سُدته جنرال سابق على خلفية قيامه بانقلاب عسكرى، تمامًا مثل الذى عنـ...
تلفتت حولى بفزع تمثيلى، بينما أقاطعه بصوت عالٍ:
- قطع لساااااان من يتحدث بسوء عن الذى عندنا.
للأسف، مطعم (أبو السيد) كان الفرصة الأولى والأخيرة، التى دردشت فيها مع محمد.
فقد وصل متأخرًا عن المنتدى بيوم ونصف، مع العلم أن الفاعليات بأكملها تمتد لثلاثة أيام فقط.
والسبب، أنه مكث كل هذه الفترة عالقًا فى مطار الرباط، لفقده حقائبه.
وفى اليوم الثالث مع بدء محاضرة الجميلة (مادونا خفاجة)، لم أن أنس أن أتلفت بعيناى بحثًا عن محمد.
فقيل لى أنه رحل.
تضايقت.
هل ترى الأسمران اللذان يتقاسما مساحة محدودة فى الخلفية؟ هذان محمد وأنا.
كان محمد مثل ظل نبيل، لاح بالجوار ومرق سريعًا، لا أعرف إذا ما كنت سأقابله ثانية أم لا، ما هى فرص أن يتكرر تقاطع طريقىّ صحفى موريتانى مع كاتب خيال علمى مصرى أثناء حياة واحدة؟
لو حدث، وتكرر اللقاء، ومع أننى زهايمرى الذاكرة، أخال أننى سأتعرفه هو بالذات مباشرة.
فور أن أجدنى متعجبًا من تواجد (الشاب خالد) فى فاعلية تخص الإعلام، سأنتبه فى اللحظة التالية أنه على الأرجح (محمد).


(يتبع)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"