الاثنين، 17 ديسمبر 2012

مهرجان السينما الأفريقية بالأقصر

  كتب رامى عبدالرازق    ٨/ ٣/ ٢٠١٢





عبر ٢٥ فيلما قصيراً، و١٧فيلماً طويلاً، هى حصيلة عروض مسابقات الأفلام بالدورة الأولى لمهرجان الأقصر الدولى (٢١-٢٨ فبراير) نستطيع أن نلمح حضوراً أساسياً لفكرة الأسطورة الشعبية، أو المعتقد الفلكلورى النابع من البيئة الأفريقية المميزة، التى تندمج فيها العديد من الأصول الثقافية القبلية الخاصة.
وعلى الرغم من أن مسابقات المهرجان فى فرعى الفيلم القصير والفيلم الطويل لا تفرق بين الأفلام الروائية والتسجيلية، إلا أننا حتى فى الفيلم التسجيلى الطويل والقصير نستطيع أن نلمح وجود الحضور الأسطورى للمعتقد الشعبى، بل قوة تأثيره على المجتمع، سواء كان قبليا صرفا أو متمدنا بدرجة أو بأخرى.
ربما كان أبرز الأفلام الروائية الطويلة، التى تجلى فيها حضور الأسطورة الشعبية، فيلم «فتى الروح»، للمخرجة الكينية هوا عثمان، الذى يحكى قصة فتى فى الرابعة عشرة من العمر يستيقظ ذات صباح على أبيه، الذى يعانى من مرض غريب، فقد قامر على روحه وخسرها، وأصبح الآن بلا روح، ويقوم الفتى بالبحث عن عرافة القرية من أجل استعادة روح أبيه، لكنها تضع أمامه سبعة تحديات من أجل أن يستعيد روح الأب، يجب عليه أن يجتازها قبل مرور يوم واحد، وإلا ضاعت روح أبيه للأبد، لكن الفيلم ينتقل بالأسطورة الشعبية، التى تذكرنا فى ملمح منها بفكرة «فاوست» إلى أرض الواقع، حيث إن التحديات السبع (ونلاحظ الرقم الذى يعتبر أحد الأرقام المهمة فى تاريخ البشر)، هى تحديات اجتماعية وسياسية بالأساس، حيث يطلب من الفتى أن يساعد شخصاً خاطئاً دون أن يحكم عليه، وأن يساعد روحاً غريبة دون انتظار مقابل، وهكذا بشكل نكتشف معه أن الإنسان هو الأسطورة الحقيقية، وليس المعتقد الخرافى، وأن الجيل الجديد هو القادر على استعادة الروح لمجتمع يعانى من الفقر والتخلف.
وفى الفيلم المالى الطويل «غزو سامانيانا»، للمخرج سيدى دياباتى، تمتزج الأسطورة مع التاريخ الشعبى لحرب القبائل الأفريقية، حيث يعود المخرج لأوائل القرن التاسع عشر، لكى يقدم قصة أحد ملوك القبائل، الذى يستولى على الحكم، ويقرر غزو مدينة سامنيانا المجاورة له، بعد أن تمكن من إخضاع بقية المدن حوله، لكن لأن ملك سامانيانا يمتلك قدرات أسطورية تجعل روحه محمية فى صورة تمساح نيلى ضخم، فإن كل محاولات السحر والشعوذة لا تفلح فى السيطرة عليه، ولا يجد الملك الغازى سوى أن يدس عليه امرأة تضع له شراباً سحرياً فى فراشه وتهرب، لكى يسيطر عليه ويستولى على مدينته، لكن فشل المخرج رغم الإطار الأسطورى للقصة واستخدام بعض الخدع فى توظيف البيئة العامة للأحداث، حيث انفصلت الشخصيات عن واقعها داخل الأكواخ والبيوت الطينية القديمة، كذلك لم يتمكن السيناريو من الخروج بالفكرة ذات البعد الأسطورى إلى أفق اجتماعى، أو سياسى أرحب، وإنما اكتفى بمحاولة تقديم الواقع المعتمد على السحر والشعوذة، وكأنه فيلم فانتازى دون عمق درامى جيد.
ومن الأفلام القصيرة التى اتخذت من الفانتازيا الأسطورية إطاراً لها فيلم «موانزا العظيم»، للمخرجة الشابة رنجانو نيونى، القادمة من زامبيا، وهو أحد أميز الأفلام التى عرضت خلال مسابقة الفيلم القصير بالمهرجان، حيث يبدأ بفتاة مراهقة وأختها الصغيرة يبدو وجهاهما ملطخين بالأصباغ بشكل طفولى، تلعبان لعبة منزلية صغيرة، ثم فجأة يهجم عليهما أسد ضخم، لكن أخاهما الكبير «موانزا» الملقب بـ«موانزا العظيم» يهجم على الأسد ويطرده بعيداً عنهما، وفى اللقطة التالية، ومن خلال قطع مونتاجى سلس ودقيق نكتشف أن الجميع ليسوا إلا ثلاثة أطفال صغار يتخيلون أنفسهم كباراً، ويلعبون فى براءة وعفوية، أما «موانزا» الطفل الصغير فيرى نفسه داخل اللعبة فى صورة أبيه الراحل رجلاً مكتمل الرجولة، لكن بينما يلعب مع أختيه يكسر العروس التى كان الأب قد أحضرها لأخته، ويقرر «موانزا» أن يذهب لمصنع الفحم، الذى كان يعمل به الأب، كى يحصل على التربة السوداء التى صنعت منها العروس على اعتبار أنها تربة سحرية، وهناك نراه فى صورة أبيه يتسلق السور ويتسلل إلى المصنع ليحصل على التربة، لكن كلاب الحراسة تهاجمه، فيحاول أن يطير فى النهاية كما كان أبوه يحمله ويطير به محلقاً لبعيد.
ومن الأفلام التسجيلية التى عرضت أيضاً فى مسابقة الفيلم القصير، التى تمثل الأسطورة الشعبية أحد مفرداتها الأساسية فيلم «ساحرات جامباجا»، للمخرجة يابا بدوى، القادمة من غانا، وهو يوثق واقع أحد معسكرات السيدات اللائى يتهمن بالشعوذة، ويتم إقصاؤهن عن قراهن ومدنهن نتيجة هذه التهمة التى تمثل جريمة فى مجتمع يمارس الأسطورة فى كل تفاصيل حياته.
استطاعت المخرجة أن تدخل إلى المعسكر وتلتقى بهؤلاء السيدات لكى تكتشف أن أغلبهن يعانين من القهر الاجتماعى والاقتصادى، ولا علاقة لهن بالسحر والشعوذة، وإنما هى مجرد شائعات تطلق عليهن فى قراهن، ونتيجة تردى الوضع الاقتصادى والصحى، فإن المجتمع يبحث عن أى سبب خرافى ليلقى باللوم عليه، دون أن يكون هناك بحث حقيقى عن أسباب المشاكل، وفى المعسكر يتم التعامل معهن على أنهن عمالة مسخرة تعمل لصالح رئيس المعسكر، وهو رجل غامض وخطير يتحكم فى بقاء أى سيدة أو خروجها عبر اختبار خرافى غريب، وهو ذبح دجاجة حية، فإذا نفقت ووجهها للأرض فالمرأة مشعوذة، أما لو وجهها للسماء فالمرأة بريئة من التهمة، ومن هنا تضع المخرجة يدها على تناقض مجتمعى وثقافى غريب،
فالمجتمع الذى يتهم النساء بالشعوذة لتعويض شعوره بالقهر الاقتصادى والحضارى، يمارس هو نفسه تلك الشعوذة، وهكذا يصعد الفيلم من جذور المعتقد الشعبى إلى أفق التأويل السياسى والاجتماعى، خاصة أن هذه المعسكرات للنساء فقط، فالرجال المتهمون بالشعوذة لا يغادرون قراهم، لأنهم يملكون بيوتهم، أما المرأة فليس من حقها أن تملك بيتا، وهى قضية اجتماعية تنطلق من نفس واقع الاتهام بالشعوذة والسحر.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"